من أنا؟

Wednesday, January 21, 2009

قراءات

باريس ــ عثمان تزغارت
” مئة عام على ولادة صاحبة” الجنس الثاني
بعد قرابة ربع قرن على رحيلها، ما زالت تثير الجدل. الأم الروحيّة للحركة النسويّة في العالم، ورفيقة درب بطريرك الوجوديّة جان بول سارتر، صار عمرها اليوم مئة عام… عمر من النضالات السياسية والاجتماعيّة، طبعته الجرأة في الفكر والممارسة
لأول مرّة منذ تأسيسها، قبل نصف قرن، تصدرّت غلاف مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية الرصينة صورة امرأة عارية. لكنّ المجلة الفرنسية المعروفة بنخبويتها، لم تقدِم على ذلك بدافع الإثارة الرخيصة أو الكسب المالي. وهي لم تختر صورة لعارضة أزياء أو مغنّية أو ملكة جمال، بل كانت الصورة لسيمون دو بوفوار، الأديبة والمفكرة والمناضلة النسائية الفرنسية، التي تحتفل فرنسا والعالم، اليوم، بالذكرى المئوية لولادتها (9 كانون الثاني/ يناير 1908)!
والصورة التقطها المصوّر الشهير آرت شاي، في شقة عشيق دو بوفوار، الروائي الأميركي نيلسون ألغرين، في شيكاغو، خلال خمسينيات القرن الماضي. أما سبب اختيار الصورة مع مانشيت بعنوان: «سيمون الفضائحية»، فيعود إلى أنّ «نوفيل أوبسرفاتور» ـــــ التي كانت إحدى المنابر الرئيسة لصاحبة «الجنس الثاني» وتوأمها الفكري جان بول سارتر، منذ نصف قرن ـــــ تعمّدت إبراز المفارقة الكبيرة التي تطبع الاحتفاء العالمي الحالي بمئوية بوفوار، إذ غلب الجدل بشأن تفاصيل حياتها الشخصية والحميمة على النقاش الفكري المتعلّق بأعمالها وفكرها.
اللافت أنّ خيارات الكاتبة الفرنسيّة سيمون دو بوفوار ومواقفها، سواء في فكرها وأعمالها أو في حياتها الشخصية والعاطفية، ما زالت تثير الجدل، على رغم مرور ربع قرن على رحيلها، ما يبيّن إلى أي مدى كانت سابقة لعصرها، من حيث تحرّرها الفكري وتمرّدها على الأعراف الاجتماعية. وقد رافق الجدل سيمون دو بوفوار منذ بداياتها، لكنّه اتخذ طابعاً أكثر عنفاً وتجنّياً، مع صدور مؤلفها الأبرز: «الجنس الثاني» (1949)، الذي يعدّ بمثابة البيان المؤسّس للحركة المطلبية النسويّة في العالم أجمع. حقّق الكتاب نجاحاً فورياً، وبيعت من طبعته الأولى قرابة مليون ومئتي ألف نسخة، وتُرجم إلى 27 لغة. لكن ذلك لم يمنع مفكّرين بارزين من التجنّي عليه والتهجّم على مؤلّفته. إذ وصف ألبير كامو الكتاب بـ«العار الذي يدنّس شرف الذكر الفرنسي»! أما فرانسوا مورياك، فقد ذهب إلى حد القول، خلال حوار شهير مع مجلة «الأزمنة المعاصرة» التي كان الثنائي سارتر ـــــ دو بوفوار يشرفان على إصدارها: «الشيء الوحيد الذي أفادني به هذا الكتاب هو أنني عرفت أدقّ التفاصيل عن الجهاز التناسلي لمؤلّفته»!
حتى الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي كان آنذاك يمثّل طليعة الفكر التقدمي في بلد ديكارت، فقد علّق على الكتاب في جريدته «لومانيتيه»، مشيراً إلى أن «الأفكار التي يتضمنها، رغم ادّعاءاتها التقدّمية، ستُقابل بالسخرية، بلا شك، من عاملات مصانع «رينو» في «بولوني بيانكور» لو أُتيحت لهن فرصة الإطلاع عليها»!
لماذا كل ذلك التجنّي على الكتاب؟ لأنه بكل بساطة جاء في خضم الثورة التحرّرية التي تلت الحرب العالمية، ليطلق رصاصة الرحمة على الأعراف الذكورية السائدة. «لا تولد الواحدة منّا امرأة، بالمفهوم التقليدي ـــــ تقول دو بوفوار ـــــ بل تصبح كذلك، بفعل التأثيرات الاجتماعية التي ترى الأنوثة مزيجاً من الروح الداعرة والتمرّس في فن الرضوخ والعبودية». وتضيف: «الأنوثة بالمفهوم التقليدي السائد هي منتج مصطنع ومفبرك من الحضارة الذكورية. إن ما يشاع عن غرائز الغنج والخضوع لدى النساء، إنما هو انحراف مكتسب اجتماعياً، تماماً مثل غريزة الغرور والأنا الذكورية المنتفخة التي هي مكتسبة وغير فطرية لدى الرجال»!
أحدثت الأفكار الجريئة والرؤى الراديكالية التي تضمّنها «الجنس الثاني» ثورةً اجتماعيةً ومنعطفاً فكرياً مرجعياً، خرجت من معطفه أجيال عدة من مناضلات (ومناضلي) الحركة النسائية العالمية. وإن كان تطوّر الحركة النسائية، لاحقاً، قد سمح بتدارك شطط البدايات، حيث لم تعد مناضلات الحركة النسائية حالياً ترى أنّ «الأنوثة» هي بالضرورة نقيض للتحرّر. وقد أثبتت المؤلفات التي صدرت أخيراً، بالاستناد إلى أوراق ومراسلات دو بوفوار، أنّ حياتها الشخصية لم تكن متطابقة مع الصرامة المتداولة عنها وتقشف الصورة النمطية التي اقترنت بها… ولم تكن تعزف عن «المتع الأنثوية» (راجع البرواز).
بصدور «الجنس الثاني»، لم تعد دو بوفوار مجرد رفيقة درب وتوأم فكري لجان بول ساتر، زعيم التيار الوجودي في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل أصحبت رمزاً ومرجعاً فكرياً للحركة النسائية العالمية. وقد رافق سارتر بالتأييد والدعم نضالات دو بوفوار النسائية، بالقدر نفسه الذي أيّدت هي مواقفه ونضالاته ومعاركه الفكرية، حتى الخاسرة منها، كتأييده الأعمى للاتحاد السوفياتي في العهد الستاليني. ولم يفرّق بين الاثنين سوى انحياز الأخير الصارخ لإسرائيل في أواخر حياته، تحت تأثيرات «سكرتيره الفكري» بيني ليفي. فهذا الأخير لم يتوّرع عن الاستغلال المغرض لشيخوخة سارتر، الذي كان قد أصبح أعمى وشبه أصم، بشهادة جان دانييل، مؤسس أسبوعيّة «نوفيل أوبسرفاتور» العريقة، ورئيس تحريرها حتى اليوم. لكن قطيعة السنوات الأخيرة بين دو بوفوار ورفيق دربها الأزلي، الذي كان يلقبها بكاستور Castor، لم تخرج إلى العلن سوى بعد رحيلهما، حين كشفت عنها بعض الوثائق والمراسلات التي نشرتها ابنة دو بوفوار بالتبنّي، سيلفي لوبون ـــــ دو بوفوار.

سيمون دو بوفوار الكتابة بمفهومها البدائي في نفس الوقت الذي بدأ والدها جورج دوبوفوار المغرم بالكتب بتعليمها القراءة، أي في سن الثالثة.
كان واضحا منذ البداية ان الطفلة سيمون تملك موهبة في هذا الاتجاه.
كان لفقدان دو بوفورا صديقة لها ماتت في العشرين من عمرها تدعى اليزابيث لو كوان التي ارتبطت بها عاطفيا منذ الطفولة دور في جنوحها نحو الفلسفة هربا من الاكتئاب الذي الم بها.
ويلاحظ أن شخصية اليزابيث (زازا) كانت حاضرة في العديد من المؤلفات الأدبية لدو بوفوار.
الانسان لا يولد امرأة بل يصبح ذلك لاحقا.
سيمون دو بوفوار
اذن بدأت سيمون الشابة بالتمرد الروحي على أكثر القوانين الوجودية رسوخا: الموت، انطلاقا من موت صديقتها "زازا" في وقت مبكر.
ثم بدأ هذا التمرد يأخذ منحى اخر ليطال الطبقية التي كانت تميز المجتمع الفرنسي والهرمية التي تميز وضع الرجل والمرأة فيه، والقوانين التي تحكم وتقيد حرية الفرد.
في حوالي العشرين التقت دو بوفوار الشاب جان بول سارتر على مقاعد الدراسة في جامعة السوربون، ولاحظا منذ البداية سمة مشتركة عند كليهما: الكراهية التي يكناها لقيود الطبقة العليا المسيطرة والجنوح نحو الحرية الشخصية.
و ما لبث سارتر الشاب أن عبر عن التناقض في فهمه للحرية الفردية حين أراد في مرحلة مبكرة ربط سيمون دو بوفوار به بشكل نهائي: نعم، عرض عليها الزواج حتى لا تفرقهما رغبة سيمون بالاتجاه الى سلك التعليم، وربما الاستقرار في منطقة تكرس بعدا جغرافيا بينهما.
كان جواب سيمون الرفض واتجهت الى التعليم مبتعدة عن رفيقها جغرافيا، وان كانت الصلة الروحية بينهما استمرت منذ تلك اللحظة الى نهاية حياتهما.
لقد كانت علاقتهما محكا لمفهوم كليهما للحرية الشخصية الذي بدأ بعرض سارتر الزواج الذي رفضته دو بوفوار كما أسلفنا، وتواصل بممارسة كل منهما لحريته الشخصية عبر اقامة علاقات عاطفية وجنسية مع اخرين، مع الابقاء على الارتباط الروحي والجسدي مع الاخر الذي بقي الثابت الوحيد في حياتهما حتى نهايتها.
كان المحك الأكبر لمدى امكانية صمود مفهومهما الجديد للحرية أمام رواسب التملك الكامنة في روح كل منهما هو العلاقة الثلاثية التي ربطت سارتر مع دوبوفوار وأولغا كوزاكيفيتش، حيث بدأ ميل سارتر للأخيرة يثير الغيرة عند سيمون. الغيرة ؟ وماذا عن التحرر من المشاعر والقيم السائدة وخاصة غريزة التملك ؟
لقد بدا هذا التناقض بين المشاعر والمبادئ المعلنة لفلسفة سارتر-دوبوفوار يشكل لهما مأزقا فلسفيا ووجوديا في ان، وبالرغم من حرية اقامة العلاقات التي مارسها كلاهما دون أن يخفيها عن الاخر الذي بقي بالنسبة له/لها المحور الثابت والبوصلة الأزلية، الا أن الصراع بين المشاعر والمبادئ لم يغب للحظة عن علاقتهما.
لعل أهم العلاقات المذكورة من ناحية دوبوفوار كانت علاقتها العاطفية مع الكاتب الأمريكي نيلسون ألجرين التي استمرت 17 عاما واالتي سببت ألما مبرحا لسارتر الذي اقام بدوره علاقات حميمة في فرنسا والولايات المتحدة. مأزق في المشاعر، مأزق في الفكر
من أعمال سيمون دو بوفوار
أتت لتبقى 1944
دم الاخرين 1944
أفواه 1945
الجنس الثاني 1949
منذ كتابها "الجنس الثاني" الذي نشر بالفرنسية للمرة الأولى عام 1949 والذي حاول دمج المبادئ الوجودية مع مبادئ التحرر الأنثوي (feminism) مبهرة بقليل من الفرويدية في فهم دور حافز الجنس في السلوك الانساني اتضح أن دو بوفوار وقعت في المأزق الذي وجد له أكثر الأشكال تطرفا في وقت لاحق حين قامت نشيطات من الحركة النسوية بتظاهرة لحرق حمالات الصدور (السوتيان) تعبيرا عن رفضهن لحصر قيمة المرأة في دورها الجنسي.
هنا سيحتج الكثيرون من المعجبين بشخصية دو بوفوار على ربط ما يعتبرونه "فلسفتها العميقة والثرية" بهذه "التظاهرة السطحية للتعبير عن تمرد المرأة على وضعها"، ولكن الحقيقة أن المنبع واحد، والمأزق واحد: وهو الخلط الخطير بين تحرير الجسد من قيود الاستغلال والتملك الجنسي الذي تكرسه القوانين الاجتماعية السائدة، ونفي الجسد الأنثوي كليا من خلال تجريده من دوره الايجابي الخلاق في علاقة ليس من الضروري أن تكون قائمة على التسلط والغبن.
فالسؤال الذي طرحته دو بوفوار في فلسفتها دون أن تتمكن من الاجابة عليه هو: اليست هناك امكانية لتحرير علاقة الرجل بالمرأة بطرفيها من شوائب ثقافة التسلط دون الاضطرار الى الاستقطاب الجنسي الذي يشوه العلاقة ويقتلها ؟
ارسل هذا الموضوع لصديق
نسخة سهلة الطبع
اقرأ أيضاً:
أوباما في عيون العالم: آمال حذرة
الناجون يحصون الخسائر في رفح
قراءة في خطاب أوباما وموقفه من العالم الاسلامي
الصفحة الرئيسية
الشرق الأوسط
أخبار العالم
علوم وتكنولوجيا
اقتصاد وأعمال
أخبار الرياضة
الصحف البريطانية
-----------------
بالفيديو والصوت
-----------------
شارك برأيك
بالصور
تقارير خاصة
تعليم الإنجليزية
-----------------
تلفزيون وراديو
برامجنا
-----------------
جداول واستقبال البث
تلفزيون
راديو
getRssUrl()
-----------------

ما هي خدمة RSS؟
-----------------
مواقعنا بلغات أخرى
المشاعر والمبادئ المعلنة لفلسفة سارتر-دوبوفوار يشكل لهما مأزقا فلسفيا ووجوديا في ان، وبالرغم من حرية اقامة العلاقات التي مارسها كلاهما دون أن يخفيها عن الاخر الذي بقي بالنسبة له/لها المحور الثابت والبوصلة الأزلية، الا أن الصراع بين المشاعر والمبادئ لم يغب للحظة عن علاقتهما.
لعل أهم العلاقات المذكورة من ناحية دوبوفوار كانت علاقتها العاطفية مع الكاتب الأمريكي نيلسون ألجرين التي استمرت 17 عاما واالتي سببت ألما مبرحا لسارتر الذي اقام بدوره علاقات حميمة في فرنسا والولايات المتحدة. مأزق في المشاعر، مأزق في الفكر
من أعمال سيمون دو بوفوار
أتت لتبقى 1944
دم الاخرين 1944
أفواه 1945
الجنس الثاني 1949
منذ كتابها "الجنس الثاني" الذي نشر بالفرنسية للمرة الأولى عام 1949 والذي حاول دمج المبادئ الوجودية مع مبادئ التحرر الأنثوي (feminism) مبهرة بقليل من الفرويدية في فهم دور حافز الجنس في السلوك الانساني اتضح أن دو بوفوار وقعت في المأزق الذي وجد له أكثر الأشكال تطرفا في وقت لاحق حين قامت نشيطات من الحركة النسوية بتظاهرة لحرق حمالات الصدور (السوتيان) تعبيرا عن رفضهن لحصر قيمة المرأة في دورها الجنسي.
هنا سيحتج الكثيرون من المعجبين بشخصية دو بوفوار على ربط ما يعتبرونه "فلسفتها العميقة والثرية" بهذه "التظاهرة السطحية للتعبير عن تمرد المرأة على وضعها"، ولكن الحقيقة أن المنبع واحد، والمأزق واحد: وهو الخلط الخطير بين تحرير الجسد من قيود الاستغلال والتملك الجنسي الذي تكرسه القوانين الاجتماعية السائدة، ونفي الجسد الأنثوي كليا من خلال تجريده من دوره الايجابي الخلاق في علاقة ليس من الضروري أن تكون قائمة على التسلط والغبن.
فالسؤال الذي طرحته دو بوفوار في فلسفتها دون أن تتمكن من الاجابة عليه هو: اليست هناك امكانية لتحرير علاقة الرجل بالمرأة بطرفيها من شوائب ثقافة التسلط دون الاضطرار الى الاستقطاب الجنسي الذي يشوه العلاقة ويقتلها ؟
posted by مفيش فايدة at 2:49 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home