من أنا؟

Wednesday, August 8, 2007

بقلم مجدي الجلاد

تموت الشعوب وتتجمد الدماء في عروقها، حين تفقد القدرة علي الصفح والتسامح والحوار.. تخفت روح المبادرة والابتكار.. وتنزوي في الأنفس فضيلة الاعتراف بالخطأ.. والمحصلة المزيد من الانغلاق والتعصب والتراجع إلي الخلف.مَنْ منا لا يخطئ كل يوم، حتي لو كان مسؤولاً!.. ومَنْ منا لا يقترف ذنوباً ثم يتضرع إلي الله طلباً للمغفرة والرحمة!.. إن عصر الأنبياء انتهي، وعلينا أن ندرك في كل لحظة أننا بشر غير معصومين من الخطأ.. قد يزل لساني أو قلمي يوماً.. ولكن الخطر الحقيقي أن أفقد الأمل في التسامح والصفح في مجتمع يدين بالإسلام، وأن نعتنق مبدأ الذبح وإهدار الدم، دون أن نمنح المخطئ حق التراجع.ربما أخطأ فاروق حسني وزير الثقافة في تصريحاته يوم الخميس الماضي لـ«المصري اليوم» حول الحجاب.. ربما أساء التعبير عن رأيه، أو ظن أن الأمر قد يخضع لنقاش وحوار.. ربما نسي أن الأمر يتعلق بفرض إسلامي أو واجب - حسب آراء العلماء - وربما أراد التراجع والتفسير والتحليل، دون أن يشعر بأن سكين «الذبح» تحف رقبته.ربما.. ولكن يبدو أننا أصبحنا أكثر التهاباً واحتقاناً واشتعالاً.. لدينا أزمات وأوجاع من النظام والحكومة.. وأردنا تفريغها في «فاروق حسني»، رغم أنه معروف بنظافة اليد ونزاهة «الثروة»، ولم يتهم يوماً بالفساد علي مدي ٢٠ عاماً قضاها في وزارة الثقافة.هذا ليس دفاعاً عن فاروق حسني.. فأنا مختلف معه في رأيه حول الحجاب.. ولكنه سؤال كبير وضخم حول هذا الحزب، «الذي «احتار فيه دليل العقلاء والمجانين».. الحزب الوطني تحول فجأة بأعضائه الموقرين في مجلس الشعب إلي «محطة كهرباء»، تتطاير منها الشظايا، وتفور بداخلها البراكين، دفاعاً عن الدين، وتجريحاً لوزير زل لسانه، ويبحث عن «مخرج كريم».. الحزب الموقر الذي يتهم معارضيه بالانتماء والتعاطف مع «الإخوان المسلمين»، تبدل فجأة و«ركب ذمته» وصلي ركعتين لله، وتوكل علي المولي الخالق.. وقرأ الشهادتين و«كبر وبسمل» وذبح فاروق حسني.كان فين الدين والشرف والنزاهة في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، التي شهدت أضخم حملة تزوير وشراء الأصوات والبلطجة.. كان فين الدين وقرارات محكمة النقض ببطلان انتخابات الدوائر تنهال علي «رأس المجلس الموقر - سيد قراره - وسيد المواقف المشرفة»؟!فاروق حسني الذي «قاطع الحزب» منذ سنوات، حانت الفرصة للإطاحة به، حتي لو كان الموقف لحساب الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي. لحظة الحساب السياسي جاءت في أزمة دينية.. مش مهم.. المهم أن يزايد نواب الوطني علي الإخوان تحت القبة، ويطالبوا بإقالته ومحاكمته، دون أن يستمعوا إليه.. وربما نسي الجميع - بمن فيهم فتحي سرور الفقيه القانوني والدستوري - أن كل البيانات الموقعة في جلسة أمس الأول بلا قيمة قانونياً، طالما لم يخضع الوزير للاستجواب.اذبحوا فاروق حسني تحت أقدام مرشد الإخوان المسلمين، لأنه أخطأ ولم نمنحه حقوقه «الموعظة الحسنة ــ النقاش ــ الصفح والتسامح ــ العفو عند المقدرة».أصبت بالدهشة حين علمت من مصادر مهمة أن قيادات «كبيرة» في الحزب الوطني تمارس ضغوطاً قوية علي الرئاسة لإقالة فاروق حسني.. والأعجب أن الحكومة تؤيد هذا الموقف.. وبذلك سوف ينصلح كل شيء في البلد، لأن الحزب الوطني والحكومة اتفقا بعد طول صراع علي محاربة المخالفين وقطع رؤوس المخطئين.. وبالطبع لم يتبق منهم سوي فاروق حسني.انتهي الحزب الوطني والحكومة من محاربة الفساد.. استعادا الهاربين في الخارج، واستردت خزانة الدولة المليارات الهاربة معهم.. حاسب الحزب وحكومته كل من أهدر الأموال العامة، ومارس الاحتكار والفساد العلني، تحت مظلة الحماية والاحتضان.. وفرت الدولة فرص عمل للعاطلين والمشردين في الشوارع.. ووضعت حداً للموت المجاني في البر والبحر وداخل الأنفاق وخارجها.. واطمأن نواب الشعب، ولم يعد لديهم ما «يصرخون» من أجله.. ونظراً للفراغ وحالة البطالة البرلمانية.. قرروا التفرغ لـ«تقطيع» فاروق حسني إرباً إرباً.. مثلما نسمع في الأفلام التاريخية.. قبل أن يمنحوه فرصة الدفاع عن نفسه.أنا شخصياً أبارك «زواج المتعة» بين الحزب الوطني والإخوان - للعلم: زواج المتعة هو زواج بعض الوقت فقط - ولكن أطلب فقط إجابة واحدة من الحزب الوطني بقياداته ونوابه عن هذا السؤال: متي ستقدمون البلد قرباناً للإخوان المسلمين؟!.. وأسئلة أخري: مَنْ الذي يفكر لكم يا سادة.. هل تجلسون مع النواب.. هل تدركون خطورة إقالة فاروق حسني، بسبب خطأ تراجع عنه.. هل تريدونها دولة «مكارثية» تديرها «محاكم التفتيش»؟ثم سؤال أخير للحزب والحكومة: إيه الخيبة دي؟!
posted by مفيش فايدة at 8:14 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home