من أنا؟

Monday, August 20, 2007

مقال جديد

في علاج النفاق.. روي الزميل سليمان جودة في عموده «خط أحمر»، يوم الخميس الماضي، كيف تغلب مجلس الشيوخ في الإمبراطورية الرومانية علي ظاهرة منافقة القيصر، والتي جعلته إلهاً يعبده الناس.

اختار مجلس الشيوخ رجلاً يرافق القيصر، مثل ظله، وتكون مهمته الوحيدة أن يقترب من وراء القيصر كلما نافقه أحد، ثم يهمس في أذنه، ويقول: «تذكر أنك بشر».. ونجحت الفكرة، لأن مجلس الشيوخ كان أمينا علي الإمبراطورية، وجريئا في تقويم وإصلاح القيصر.. ولأن القيصر ذاته كان يمتلك القدرة علي الاستماع.. ولأنهم ـ أيضا ـ عثروا في الإمبراطورية الرومانية علي رجل لديه شجاعة تذكير الحاكم بأنه بشر.

نسي سليمان جودة ـ علي ما يبدو ـ أن يقول لنا كيف تصنع الشعوب إلها، له رأس وذراعان وقدمان.. يأكل ويشرب وينام.. يخطئ ويصيب.. يغضب ويفقد الحكمة أحيانا.. وينسي غالبا أنه مفوض بتسيير أمور العباد، الذي هو منهم.

والنفاق فن تتقنه الحاشية والدائرة المحيطة بالحاكم.. أو هو حبل سميك يلفه المنافقون حول رقبة هذا الحاكم، ويقيدون به أذرع وأقدام الشعب بالكامل.. والفن له مبدعون وقواعد وابتكارات.. وأحسب أن المصريين برعوا فيه إلي حد العبقرية.. والمحصلة أننا نحيل الحاكم إلي إله.. وبدلا من الرجل، الذي يقف خلفه ليذكره أنه بشر، نأتي بعشرات يهمسون في أذنه كل لحظة بعبارة واحدة: «لا تنس أنك الإله».

لا يحدث ذلك بين يوم وليلة.. وإنما ثمة مراحل واجبة.. فبعد ١٠ سنوات، علي كرسي الحكم، يتحول الحاكم إلي نصف إله.. وبعد ٢٠ سنة يصبح إلهاً.. وبعد سنوات أخري يتم تصويره باعتباره «الإله».. وبين «إله.. والإله».. فارق كبير لمن يريد أن يفهم.

وللمنافقين لغة ووسائل لا يتقنها غيرهم.. وإذا أردت أن تنضم إلي القافلة عليك أن تتبع الخطوات التالية:

أولاً: لابد أن تعثر علي وسيلة، أو قناة، تحملك إلي الحاكم.. مثلا مسؤول أو شخص ضمن دائرة النفاق والخدمة المخلصة.. وعليك أن تخلع نعليك علي باب الحاكم، وملابسك في معاركه، وضميرك في قراراته، وعينيك أمام سوءاته.. باختصار: لابد أن تثبت بالدليل الدامغ أنك بعت كل شيء.. وأي شيء.. من أجل رضا الحاكم.

ثانيا: عليك أن تردد علي مسامعه ليل نهار أنه لا يخطئ.. قل له: «كيف تخطئ وأنت الإله.. فما تقوله مقدس، وما تراه هو الحكمة بعينها».. الشعب هو الذي يخطئ.. الناس لا تستحقك.. لو كان الشعب بيعرف يتحكم كان حالنا بقي أفضل من كده.. المعارضون سفلة وخائنون وعملاء.. من يكتبون ضدك كفرة سيدخلون النار.. وحسنا أنك لا تستمع ولا تقرأ لهم.. يكفيك من يسبّحون بحمدك.. فلا تلوث أذنيك وعينيك بكلام السفلة والعملاء.

ثالثا: لا تتبرم، ولا تحزن إذا غضب منك الحاكم، ووجدك أمامه في إحدي المناسبات وعنفك بحدة.. والأسباب كثيرة.. أهمها أن «تلطيش الحاكم» شرف للخادم.. كما أن سبابه لك يعني أنه يراك، وهو فخر لأي منافق.. ثم إن «الشتيمة لا تلصق».. وعليه فإذا تعاظم غضبه منك، وقال لك «يا ابن الكلب»، فعليك أن تهز ذيلك علي الفور.. وإذا «ضربك علي قفاك» فاحمد الله أنه لم يركلك علي مؤخرتك.. وإذا غضب أكثر وأكثر، وأبعدك عن دائرة الحاشية والهتيفة والمنافقين.. فعليك أن تواصل مسيرتك.. علّه يعيدك مرة أخري.. فلا شيء في الدنيا يساوي الحياة بين أصابع «الإله»!
posted by مفيش فايدة at 4:35 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home