من أنا؟

Wednesday, August 8, 2007

شكرا جاك شيراك

حين كتبت منذ عدة أيام عن الحاكم الموريتاني العقيد أعلي ولد محمد فال، الذي ترك الحكم طواعية، وأجري انتخابات رئاسية مدنية أمس الأول، لم أتوقع هذا القدر من ردود الفعل،ولم أظن للحظة واحدة أن الكثيرين سيفهمون ما كتبت خطأ.. مئات الاتصالات والرسائل مفعمة بالحزن لما آل إليه كرسي الحكم في الدول العربية.. البعض حمل مقالي ما لا يحتمل، واعتبره رسالة لأطراف محددة.. مع أن الأمر عندي كان أكبر من ذلك بكثير.أمس فقط تحقق ما حلمت به، وما قصدته من هذا المقال.. إذ تأكد لي بما لا يدع مجالاً للشك أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك يقرأ ويتابع يومياً جريدة «المصري اليوم»، فالرجل قرأ مقالي قطعاً، وقرر عدم الترشح لولاية ثالثة، رغم أنه لم يقض في رئاسة فرنسا أكثر من ١٢ سنة فقط.ما أحلي الانتصار.. وما أحلي الإحساس بأن مقالي واهتمام «المصري اليوم» بالتجربة الديمقراطية الموريتانية حقق رد فعل سريعا وإيجابيا في فرنسا، وهو الهدف الحقيقي الذي خططنا له، لاسيما أن مصلحة الشعب الفرنسي الشقيق تتصدر أولوياتنا في الجريدة،ولا أخفي سراً إذا قلت إن لدينا في «المصري اليوم» إيمانا مطلقا بأن الأوضاع المتردية، وتدهور الحياة السياسية والأحوال الاقتصادية في فرنسا لن تنصلح إلا بتداول حقيقي للسلطة في أعلي هرم الدولة.ويبدو أن جاك شيراك قرأ المقال، ومنح نفسه فرصة عميقة للتفكير في الأمر.. فالرئيس، الذي حقق لفرنسا الكثير، سأل نفسه حتما: هل يدخل ولد فال التاريخ من أوسع أبوابه، وأظل أنا متشبثاً بالكرسي، رغم أنه لم يقض في السلطة أكثر من عامين، بينما بقيت أنا في قصر الإليزيه ١٢ عاما كاملا..هل يليق بفرنسا، الحضارة والتاريخ والمكانة، أن تتخلف ديمقراطياً عن دولة صغيرة تعاني من الفقر والقبلية مثل موريتانيا.. هل نتركهم في نواكشوط يتداولون السلطة في أفراح الديمقراطية، بينما تعاني فرنسا من الجمود في الحياة السياسية بالكامل، لأنها غير قادرة علي التغيير؟فكر شيراك كثيراً وكثيراً.. جلس مع نفسه ساعات وأياماً.. ترك الرئيس شيراك يتحدث مع المواطن الفرنسي شيراك.. وسأل الأول الثاني: كيف تُغلب مصلحتك الشخصية علي مصلحة بلد كامل يسعي إلي النمو وتجديد دمائه في كل المواقع.. هل المواطن الموريتاني ولد فال أفضل منك.. ماذا ستقول للأجيال القادمة.. وهل ضربت لهم النموذج.. وإذا كنت تمثل قيادة تاريخية قدمت لفرنسا الكثير.. فلماذا لا تضع لهم آليات محددة تضمن تداول السلطة في المستقبل حتي لو قررت البقاء علي مقعدك مدي الحياة؟!لم ينم الرئيس الفرنسي ليالي وليالي بعد أن قرأ مقالي المتواضع.. ثم خرج علي شعبه بقراره، وقال عبارته التي سيحفظها التاريخ: «في نهاية الولاية التي منحتموني إياها.. حان الوقت بالنسبة لي أن أخدمكم بطريقة أخري.. لن أطلب أصواتكم لولاية جديدة.. أنا أحب فرنسا جدا»!أسرتني هذه العبارة، وكادت دموعي تنهمر.. غير أن الكلمات التي توقفت كثيراً أمامها هي: «حان الوقت أن أخدمكم بطريقة أخري».. انظروا إلي الديمقراطية في أجمل صورة.. قال الرجل: «أخدمكم».. فهو خادم للشعب الذي اختاره.. وبالتالي فهو لا يقوي علي الوقوف أمام حق هذا الشعب في التغيير حتي لو كان رئيسهم نبياً مرسلاً من السماء.. وهو أيضاً يقول: «أخدمكم بطريقة أخري».. فالعطاء الوطني لا يقتصر علي مقعد الرئاسة، ربما لأن الرجل كان يجلس علي الكرسي، ليعطي ويخدم وسط مجموع يسير في ذات الاتجاه، وليس الحكم بنظرية الفرد الإله، الذي يعرف وحده المصلحة والحق والعدالة.شكراً جاك شيراك.. وشكراً ولد فال.. فهذه هي المرة الأولي التي أشعر فيها بأن ما أكتبه له قيمة
posted by مفيش فايدة at 8:18 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home