من أنا؟

Monday, August 27, 2007

الحكومة الوسيطة

حتي أمس الأول.. كنت من الحاقدين.. أرتدي نظارة حالكة السواد.. تحجب عن عيني أشعة الشمس المشرقة علي مصر، وتحيل الأمل والتفاؤل إلي يأس وقنوط.. كنت لا أري سوي نصف الكوب الفارغ، رغم نصائح البعض لي بأن ثمة نصف كوب مملوء، يجب أن نركز عليه أحيانًا، حتي نبعث الأمل في النفوس.
في صباح أمس الأول.. طالعت الصحف، فوجدت تصريحات المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، تتصدر الصفحات الأولي.. ولنقرأها سويا من مانشيت جريدة «الجمهورية»: «أكد المهندس رشيد محمد رشيد أن الوزارة في إطار التزامها بتنفيذ توجيهات الرئيس مبارك لضبط الأسواق، نجحت في إقناع كبار منتجي ومستوردي السلع الغذائية، والشركة القابضة الغذائية، والاتحاد العام لمنتجي الدواجن، بتثبيت أسعار الدواجن والألبان خلال رمضان المبارك، وحتي عيد الفطر.. كما تم الاتفاق مع شركات زيوت الطعام علي تثبيت الأسعار حتي عيد الفطر المبارك..».
مصر بخير يا جماعة.. ونصف الكوب المملوء أصبح في عيني «زير ماء» يطفح، ويفيض علي الكون كله.. الحكومة قررت فجأة ـ في نوبة صحيان ـ تنفيذ توجيهات الرئيس مبارك، ولكن خلال شهر رمضان فقط.. ولينعم كل مواطن بـ«نعمة تثبيت الأسعار حتي عيد الفطر المبارك».. وبعد العيد سوف تسلمنا الحكومة للتجار، و«تطلع» من القضية كلها.. فالتصريح واضح وصريح: الحكومة قعدت مع التجار، و«تحايلت عليهم» ليرحموا المواطنين خلال شهر الصيام الكريم».. ولأنها تنطلق من «موقع عجز» فقد طمأنتهم بأن وساطتها التطوعية، و«قعدة العرب» مع التجار، تهدف ـ فقط فقط فقط ـ إلي عقد اتفاقية هدنة بين التجار والمواطنين.. وما علي «الوسيط» إلا الرجاء، ومحاولة تهدئة النفوس.
الحكومة هنا تحركت بعد توجيهات الرئيس.. والرئيس أصدر توجيهاته ـ قطعًا ـ استجابة لمعاناة المواطنين من الارتفاع الجنوني للأسعار خلال المرحلة الأخيرة.. ولكن الحكومة ـ كعادتها ـ لا تتحرك من مساحة المبادرة، لأنها ببساطة لا تمتلك القدرة علي قياس اتجاهات الرأي العام، ولا علي ضبط تحركات الأسواق والتجار.. ولا علي التدخل السريع أو حتي البطيء، في مواجهة المتلاعبين بالأسعار، أو المحتكرين للسلع والخدمات.
إنها المرة الأولي التي تعلن فيها حكومة ـ أي حكومة ـ أنها «توسطت» لدي التجار، لإقناعهم بتثبيت الأسعار خلال فترة محددة، لا تتجاوز ستة أسابيع، تنفيذا لتوجيهات الرئيس.. وهي المرة المليون التي تثبت فيها الحكومة أنها لا تمتلك رؤية واضحة لدور الدولة في ملفات وقضايا جماهيرية كثيرة.. هذا الدور الذي لا يتناقض إطلاقا مع سياسات تحرير الاقتصاد والسوق الحرة، إذ يبدو أن «حكومتنا الرشيدة» تتوهم أن «الاقتصاد الحر» يعني «تطليق» دور الدولة في ضبط الأسواق، باعتباره رجساً من عمل «الحقبة الاشتراكية»، وهي قطعا لا تعلم أن أعتي الدول الرأسمالية، التي تدافع بالنار والدم عن الاقتصاد الحر، لا تترك مواطنيها نهباً للتجار والمحتكرين.
شخصياً.. سوف أتعامل مع تصريحات الحكومة بنظرية «نصف الكوب المملوء».. وسأخلع رداء «الحاقدين».. وسأقنع بـ«منحة» تثبيت الأسعار حتي عيد الفطر المبارك.. وبعد العيد سيكون علينا جميعا أن نشكل لجنة شعبية تذهب للتجار في «قعدة عرب» و«تقبّل» أيديهم كي يثبتوا الأسعار ستة أسابيع أخري.. وربما نقبّل أقدامهم ليوافقوا علي مد الهدنة إلي «عيد الأضحي المبارك».. وكله رحمة ونور علي روح الحكومة!
posted by مفيش فايدة at 3:00 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home