من أنا؟

Monday, August 27, 2007

يا عسل يا اسامة

جرت في نهر الحياة المصرية‏,‏ هذا الأسبوع‏,‏ بعض الزوابع كتلك التي جرت من قبل وأثارت رغبتنا في التحدي وكشف ما تخبئه طبيعة حركتها‏,‏ فهي قوي تعمل في الداخل والخارج للتشكيك في صحة مساراتنا ورغبتنا في الإصلاح من خلال إثارة الغبار والتضليل‏,‏ ففي الوقت الذي كشفت فيه أجهزة الأمن عن خلايا جماعة الإخوان المحظورة التي تضرب عرض الحائط بالقوانين والدستور‏,‏ وتخلط بين ماهو سياسي وماهو ديني‏,‏ وتدعو إلي تحدي القانون والنظام‏,‏ بل وتحض علي الفوضي والعصيان لخلق بؤر صدام مع المواطنين والدولة متصورة أن الفرصة قد باتت متاحة لها الآن من خلال استغلال جو الإصلاحات السياسية ومناخ الحرية الواسع الذي تشهده مصر الآن في إحداث قلاقل تضر الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي تحدث في مجالات عديدة‏..‏ وهذا بالطبع يساعدها علي توفير المناخ الذي تسعي إليه للسخط العام لتهيئ مناخا حيويا لها لبث سمومها وأفكارها السياسية المضللة‏,‏ وهو ما لا يمكن أن يسمح به أي نظام حكم في العالم‏,‏ لأن خرق القانون وضربه هو العدو الأول لأي إصلاحات أو تطور ونمو‏.‏وفي تزامن مع جهود الإخوان المسمومة‏,‏ خرج أحد وكلائهم بتقرير معلوماتي مضلل وكاذب نشرته صحيفة واشنطن بوست سماه قمع بلا حدود وفيه مارس جريمته القديمة نفسها بتقديم معلومات مضللة لقارئ أجنبي‏..‏ محاولا إهالة التراب علي مناخ الحرية والإصلاح الذي تعيشه مصر‏..‏ بل إنه استخدم المناخ الذي تهيئه هذه الإصلاحات ضدها‏..‏ ومثل هذه المعلومات تنتشر في مصر وصحفها‏,‏ فمناخ الحرية يسمح بذلك‏,‏ ولكن هذا التقرير يجب كشف صاحبه‏..‏ فكل ما نشر فيه لا يمت للحقيقة بصلة‏..‏ حيث إنه يمارس التضليل مستخدما جزءا من المعلومات الناقصة ليعطي القارئ الأجنبي صورة مضللة وكاذبة وخادعة عن بلده وعن عمليات الإصلاح والتغيير الايجابي التي تحدث فيه‏.‏لقد تكلم عن مناسبة مرور‏4‏ سنوات علي اختفاء صحفي وطني‏,‏ وصورها بجريمة اغتيالات متناسيا انه بهذا الأسلوب يسئ إلي زميلنا رضا هلال الذي ظل طوال عمله المهني يدافع عن التطور بل كان ابنا مخلصا لمصر حريصا علي استقرارها ووقف ضد التطرف والإرهاب وضد خلط الدين بالسياسة‏,‏ فربط كاتب التقرير المغرض والمضلل د‏.‏ سعد الدين إبراهيم بين واقعتين لا صلة لهما ببعضهما بعضا‏,‏ مصورا الاختفاء علي انه جريمة سياسية متكررة في مصر تمارسها الحكومة بشكل نظامي‏..‏ وهذه الأساليب لم نعهدها في بلدنا ولكنها محض خيال مريض بل إجرامي استبدت بكاتبها ليعلق ببلاده أبشع الجرائم السياسية‏.‏ويهمنا هنا أن ندافع عن ذكري زميل لنا في الأهرام‏,‏ وأن نعري هذه المعلومات التي يحصل مقابلها علي ثمن بخس‏,‏ فهو من محترفي جمع أموال المنظمات واستخدامها في لعبة السياسة‏,‏ بل إنه تمادي في لعبته القذرة بطرح أرقام عن عدد المعتقلين في مصر لم يحدث في تاريخنا‏,‏ فقال إنهم بمئات الآلاف‏..‏ مع أن عددهم في ذروة المواجهات مع الإرهاب والتطرف خلال التسعينيات لم يتجاوز بضعة آلاف خرج معظمهم من السجون بعد المراجعات الفكرية الكبيرة التي جرت في السجون ـ وهي ظاهرة مصرية خالصة‏,‏ حيث سمحت الدولة بإعادة دمج هؤلاء المتطرفين في المجتمع‏,‏ وهم الذين ارتكبوا في حق المجتمع جرائم ما زالت صورها الموحشة والمروعة تأبي أن تفارق ذاكرتنا‏..‏ إنها مصر التي لم تلفظهم وإنما عملت علي مساعدتهم علي العودة إلي المجتمع ليصبحوا مرة أخري جزءا منه لهم كامل حقوق المواطنة مثل كل الناس‏.‏ولهذا فإنني أكشف اليوم هذا التقرير المضلل الذي يقع في حبائله كثيرون ممن لا يعرفون مصر ونظامها السياسي‏,‏ حيث أري مدي التهديد والخطورة التي يمثلها هذا النوع من المعلومات الكاذبة‏.‏إن كتبة هذه التقارير الرخيصة يستهدفون في المقام الأول الإساءة لوطنهم الذي هو جزء من هذا العالم‏,‏ و لا يهمنا كثيرا أن تكون بعض المجموعات في إدارة الرئيس جورج بوش الابن قد تأثرت لبعض الوقت بمثل هذه المعلومات الكاذبة وبنت رؤيتها أو سياستها أو علاقتها معنا معتمدة علي مثل هذه الأكاذيب‏,‏ فمصر دولة ذات سيادة وقادرة علي تجاوز مثل هذه الترهات المغرضة‏.‏ ولكن حان وقت مواجهتهم بالحقائق‏,‏ لأن ما تملكه مصر كبلد كان ومازال مهدا للحرية هو حقيقة لا يمكن إنكارها‏.‏إن أحدا لايستطيع أن ينكر الحقائق الماثلة أمامنا‏,‏ فلقد شهد النظام السياسي المصري منذ بداية الثمانينيات تطورا تدريجيا بدأ بتأكيد قيم الحرية والتعددية والحوار والتنافس ووضع الآليات الضرورية لتحويلها إلي ممارسة سياسية مستدامة غير قابلة للانتكاس بخلاف ما حدث في النصف الثاني من السبعينيات‏.‏ وهنا نعيد تذكير هواة البحث عن الأدوار والنوم في أحضان المحافظين الجدد في واشنطن الذين خربوا منطقة الشرق الأوسط بالحروب والتدمير ودمروا العراق وأهله في حروب عبثية وأدخلونا متاهة رؤاهم حول نظريات لا منطق لها ولا مراجع أخلاقية مثل الفوضي البناءة وغيرها من التجارب التي تصور منظرو المحافظين إمكانية إجرائها علينا دون استئذان‏..‏ نذكر هؤلاء الباحثين عن أدوار قزمية‏..‏ بعدم نسيان واقع أن مبارك بدأ عهده بإزالة آثار الانتكاسة التي تعرض لها التطور في النظام السياسي المصري في سبتمبر عام‏1981,‏ وعمد إلي إجراء قدر هائل من الإصلاحات والمصالحات في الداخل والخارج‏,‏ واضعا خطوطا عريضة لإعادة بناء دولة ثقة كانت قد فقدت أو تاهت وسط خضم أحداث مزلزلة اتسمت بها السنوات الأخيرة من السبعينيات‏.‏فقد ينسي الكثيرون أو يتجاهلون عمدا حقيقة أن مصر كانت مهددة في ذلك الوقت بالعودة إلي مرحلة الأحادية السياسية والاحتكار السياسي حين لم تكن هناك لا أحزاب ولا انتخابات حرة وكان الترشيح مقصورا علي أعضاء الاتحاد الاشتراكي‏..‏ تلك السنوات التي أجهضت فيها حرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي الآخر‏,‏ وقد ينسي البعض واقع أنه برغم تبدي الإرهاب بملامحه القبيحة والوحشية في الأفق وتهديده أي خطوة يمكننا أن نخطوها للأمام ورغبته المريضة في إجهاض الجهود الرامية إلي ترسيخ الاستقرار والنمو والسلام وحرصه علي مواجهة مناخ التخبط والصراعات من جديد وهو المناخ الذي يسعي إليه دوما أصحاب الرغبات الشخصية المريضة‏.‏ رغم كل هذا تمكن الرئيس حسني مبارك من إنقاذ مصر من وضع شديد الصعوبة عندما بدأ عهده بتأكيد احترامه الحرية والتعددية واختلاف الرؤي والآراء وطبق ذلك عمليا بالإفراج عن المعتقلين وإعادة الصحف التي تم حظرها‏.‏‏................................................................................‏وقيادة التطور السياسي الذي تواصل حتي الآن‏..‏ كل هذا بالرغم من الصعوبات الهائلة والعوائق المتشابكة التي واجهت الدولة والمجتمع آنذاك‏.‏لقد تحرك مبارك نحو إعادة بناء الاقتصاد‏,‏ الذي كان مخربا‏,‏ بادئا من نقطة الصفر‏..‏ فوضع له برنامجا طموحا‏,‏ ولعلنا نذكر تجربة المؤتمر الاقتصادي التي وصلت إلي تطبيق خطط اقتصادية خمسية محددة الاتجاهات‏,‏ مما أوصلنا إلي البدء في يوليو الماضي في الخطة الخمسية السادسة التي تغطي الفترة من‏2008/2007‏ إلي‏2012/2011‏ وهي الخطة التي تعكس قوة مصر الاقتصادية وواقعيتها وصدقها مع نفسها‏,‏ ومع قدرات شعبها دون جموح أو جنوح‏,‏ ولكن بطموح واقعي يراعي ظروفنا وقدراتنا‏,‏ ويحرص علي نقلنا من واقع اقتصادي معقد إلي مراحل أفضل‏,‏ ويحفظ لشعبنا مستوي معيشيا أفضل‏,‏ وأكثر احتراما لحاجاته المتزايدة‏..‏وبالرغم من استمرار معدلات النمو السكاني المرتفعة التي لا تتناسب مع قدراتنا‏,‏ الاقتصادية‏,‏ فقد كان من أهم بنود وأركان تلك الخطط الاقتصادية عدم إغفال البعد الاجتماعي‏..‏ وضرورة مراعاة أهم مكتسبات ثورة يوليو‏,‏ التي حرص عليها الرئيس‏,‏ ألا وهي البعد الاجتماعي‏,‏ ولكن علي أسس واقعية وليست تجميلية أو ظاهرية‏,‏ حيث انتقل من مرحلة إتاحة الخدمات لكل المواطنين إلي مرحلة الحرص علي جودة تلك الخدمات‏,‏ خاصة في مجالات التعليم والصحة والتنمية البشرية‏.‏‏..................................................................................‏ولكي نكون واقعيين ومتفهمين لظروفنا الداخلية والإقليمية فإن الخطط الخمسية المتعاقبة أمنت وضاعفت مستوي معيشتنا‏,‏ عما كان عليه الحال في الستينيات والسبعينيات‏,‏ وحرصت علي نقلنا إلي واقع جديد يعمد إلي تطوير نفسه وتطوير البيئة المحيطة بنا‏..‏ لقد طرحت أفكار ورؤي جديدة للمستقبل‏,‏ وإذا كنا لا ننكر أن طموحاتنا الاقتصادية والمعيشية أكبر‏,‏ فإننا لا نشكك في أن ما تحقق من إيجاد بنية أساسية وهياكل‏,‏ مؤسسية هو ما يجعلنا اليوم قادرين علي التطلع بثقة أكثر إلي غد أكثر استقرارا وأمنا‏,‏ ولهذا فإننا مطالبون بالمحافظة اليوم علي ما تحت أيدينا‏,‏ وما حققناه خلال السنوات الأخيرة حتي يمكننا استشراف الغد بثبات ووعي‏.‏وبالرغم من وجود من هم مقتنعون بقدرة مصر‏,‏ علي تحقيق تحول أسرع في المجال الاقتصادي‏,‏ أجدني مقتنعا بالأسباب التي جعلت مصر تتحول اقتصاديا ببطء شديد حتي تحافظ علي حقوق أكثر الفئات ضعفا‏,‏ وتراعي مانطلق عليه البعد الاجتماعي‏.‏إن العقلاء يعترفون بحقيقة أن مبارك أنقذ مصر من التردي في هاوية الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي عانتها معظم دول العالم النامي خلال التسعينيات‏,‏ وأنه وضعها علي طريق التطور والنمو الراسخ والمعتدل‏,‏ البعيد عن القفزات البهلوانية والاستعراضية وعلينا الاعتراف بإن اهتمامنا بالوضع الاقتصادي جاء أحيانا‏,‏ سابقا بخطوات واسعة الوضع السياسي‏,‏ فلم يكن ممكنا وضع تصورات لعمليات التطور والإصلاح السياسي ودفع الحراك السياسي‏,‏ قدما للأمام‏,‏ دون معالجة الأمراض التي جعلت اقتصادنا منهكا والاقتصاد المنهك يعني دولة ضعيفة ومجتمعا يعاني الكثير لتوفير احتياجاته الأساسية ومن ثم يصبح غير قادر علي الدخول بحماس في حلبة البناء والتطوير السياسي بل إنه أحيانا عقبة هائلة أمام تحقيقه أو مجرد التطلع إليه‏.‏إذن لم يكن إعطاء الأولوية للإصلاح الاقتصادي علي حساب الإصلاح السياسي‏,‏ بل كانت الأولوية في الواقع لتأمين مقومات الإصلاح السياسي‏,‏ وتوفير أرضية ثابتة له‏..‏ ولعلنا نتذكر ملحمة مصر الكبري في مقاومة الإرهاب والتطرف‏,‏ حيث كان الإرهاب تحديا مخيفا يهدد تجربة مصر السياسية والاقتصادية بكل ما حمله مع موجاته المظلمة من مشاعر خوف وعدم يقين حول جدوي البناء من أجل الغد‏,‏ فمع الإرهاب بات التطلع للمستقبل نوعا من أحلام اليقظة‏,‏ وكان علينا في تلك المرحلة مواجهته بكل ما أوتينا من قوة وعزم ولكننا مع ذلك لم نواجهه علي حساب الإصلاح السياسي أو وقف جهود الإصلاح الاقتصادي ورعاية محدودي الدخل وظروفهم المعيشية الصعبة‏..‏وإنما حدثت المواجهة معه متزامنة مع حرص الدولة علي تأمين مقومات الاستمرار والنمو والإصلاح في مصر‏..‏ ومازالت عملية مقاومة التطرف مستمرة لتأمين حياة سياسية ثابتة لا تخلط الدين بالسياسة‏,‏ وتعمل في الوقت نفسه علي حماية الدين السمح من شطحات الراديكاليين‏,‏ وتؤمن الأجواء المناسبة لاستمرار عمليات التطور السياسي بكل مقوماته في مناخ ملائم‏,‏ فلا يمكن تصور ممارسة ديمقراطية حقيقية في مجتمع يعيش تحت تهديد الإرهاب‏,‏ أو الجماعات السياسية المحظورة ذات التوجهات الفاشية التي تهدد بنيانه ومستقبله السياسي‏.‏ويجدر بنا أن نذكر أن مناطق كثيرة في الوجه القبلي‏,‏ بصفة عامة وفي المنيا وأسيوط بصفة خاصة‏,‏ واجهت إرهابا لم يعق التنمية والتطور والنمو فقط‏,‏ وإنما هدد أيضا الحياة الطبيعية للمواطنين عدة سنوات‏,‏ وجعل حياتهم اليومية أشبه بكابوس متواصل‏..‏ ولكننا اليوم لا ننكر ما نشاهده من تطور ونمو في الصعيد‏,‏ مع برامج التنمية المركزة‏,‏ التي جاءت تعويضا لما عاناه شعبنا الوفي في الصعيد من إرهاب المتطرفين‏,‏ الذين هددوا مسار حياتهم الآمنة التي هي حق لكل مواطن‏..‏ ولعلنا نتذكر أيضا الإرهاب الذي عشش في العشوائيات وفي قلب القاهرة في مناطق عين شمس وإمبابة‏,‏ حيث جثم علي صدور الناس بالاغتيالات والقتل العشوائي في كل أنحاء الجمهورية‏.‏وكان القضاء علي الإرهاب واجبا قوميا لحماية الوطن‏,‏ ودعم إمكانات الإصلاح والتطوير‏.‏ وبذلت الدولة جهودا كبيرة‏,‏ لذلك كان لها تأثيرها الواضح علي مسيرة الإصلاح‏..‏ تلك المسيرة التي ينتقدها البعض الآن في ظل الظروف المريحة الراهنة‏,‏ التي جاهدنا سنوات لتأمينها‏,‏ حيث لا يفتأ البعض عن انتقادها واتهامها بالبطء بشكل ما‏,‏ ولكن هؤلاء وأولئك يتجاهلون الظروف الخاصة التي تعيشها منطقتنا الآن‏,‏ ونتائجها الكارثية الماثلة في فلسطين والعراق والسودان وليبيا وسوريا والخليج والمغرب العربي‏.‏‏...............................................................................‏إن عبقرية التطور السياسي المصري تكمن في أنه تطور تراكمي‏,‏ يحمل الكثير من التميز فكل خطواته كانت ثابتة وواضحة المعالم‏,‏ ويجدر بنا هنا أن نشير إلي إصرار الرئيس مبارك‏,‏ برغم كل الظروف والتداعيات والتطورات الصعبة محليا وإقليميا‏,‏ علي تأمين مساحة من الحرية للجميع تتسع يوما بعد يوم‏.‏ولنا في الصحافة والإعلام بشكل عام الكثير من الأمثلة والدلالات‏,‏ فالإعلام هو مرآة للنظام السياسي‏,‏ الذي تراكمت فيه خطوات الإصلاح‏,‏ التي تتجه إلي الأمام متوجة بالإصلاحات الدستورية‏,‏ التي كرست حق المواطنة وحمت النظام المصري من الخلط بين الدين والسياسة‏,‏ وأعطت شعبنا الحق في انتخاب الرئيس لأول مرة‏.‏الجماعة المحظورة‏..‏ وتحديات الإصلاحوتواجهنا من الجهة الأخري مشكلة الإخوان المسلمين‏,‏ أو أعضاء الجماعة المحظورة والذين يهددون الاستقرار المصري‏,‏ وقد شهدنا خلال الأيام الماضية القبض علي بعض خلاياهم التي تمارس الإرهاب وتثير القلاقل وتقف عقبة أمام الإصلاحات السياسية المصرية‏,‏ ونتركهم لأجهزة التحقيق التي نثق بعدالتها‏.‏ولكن تظل مشكلتهم مع مصر وشعبها قائمة إلي أن تتكشف حقيقة تنظيماتهم علي أوسع نطاق‏..‏ وهذه المشكلة ليست جديدة‏,‏ ولم تظهر في الشهور أو السنوات الأخيرة‏,‏ ولا هي محصورة في العهد الراهن‏,‏ وإنما مشكلتهم في مصر قديمة‏..‏ وعمرها من عمر تنظيمهم عندما تحول من هدفه المعلن وهو الدعوة الدينية إلي هدفه الذي مازال يسعي إليه وهو الاستيلاء علي مصر‏,‏ وخطف المجتمع لإدخاله في حالة من الفوضي والتخبط لا لشيء سوي الوصول إلي السلطة التي هي حلمهم الأزلي‏.‏ وقد بدأ هذا التحول في العقد الثاني من عمر التنظيم الذي أنشئ عام‏1928,‏ وقبل أن ينتهي ذلك العقد كان قد كشف عن وجهه سافرا من خلال عمليات إرهابية متتالية واغتيالات وتفجيرات متعددة‏,‏ طالت رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي عام‏1948‏ عقب قيامه بإلغاء الوجود القانوني لتنظيم الإخوان‏,‏ وحل جماعتهم المسجلة بالشئون الاجتماعية باعتبارها جمعية اجتماعية ثقافية‏.‏وهكذا بدأت مشكلة الإخوان قديمة في العهد الملكي وفي ظل نظام ديمقراطي ليبرالي أتاح لهم كل العمل العلني السلمي‏,‏ فأبوا إلا أن يشعلوا المجتمع نارا‏.‏ وكانت دائما هناك مسافة واسعة بين ظاهرهم وباطنهم الذي يموج بالعنف والقسوة واحتكار الدين والإيمان بأنهم وحدهم الذين يحق لهم السيطرة علي الناس والحكم علي إسلامهم من عدمه‏,‏ وتكفير من لا يروق لهم‏.‏ ومن عباءتهم ظهرت كل الجماعات المتطرفة‏,‏ التي أشعلت بلدنا بل أشعلت المنطقة والدنيا بحرب عبثية ضد الإرهاب والتطرف‏.‏ وقد حاولوا خداع الثورة في بداياتها ولكن لم يلبث أن اكتشف جمال عبد الناصر وزملاؤه حقيقة تنظيم الإخوان غير السلمية فحاولوا اغتياله في أكتوبر‏1954‏ بميدان المنشية بالإسكندرية‏.‏أكذوبة الإخوان الجديدةأنه جزء من تاريخهم وبعض من جرائمهم التي يجب أن يعرفها شباب مصر الذين يحاول البعض إيهامهم بأن الحكم الحالي يضطهد الإخوان باعتباره منافسا له‏..‏ وتلك أكذوبة كبري يجب تعريتها‏..‏ فالحقيقة أنه لا الحكم الحالي‏,‏ ولا الحكومات السابقة اضطهدتهم‏..‏ وإنما هم الذين اضطهدوا المجتمع عندما حاربوه منذ أكثر من ستين عاما‏,‏ ولم يتغير سلوكهم في مختلف العهود من العهد الملكي ومن حكومات النحاس والنقراشي واحمد ماهر إلي عبد الناصر والسادات‏..‏ وصولا إلي الوقت الراهن‏..‏وليس هذا عيبا في الإخوان كأفراد‏,‏ فهم مثل كل البشر فيهم الصالح والطالح والطيب والشرير‏,‏ ولكن العيب في طبيعة تنظيمهم ونوع تكوينهم الفكري والنفسي‏..‏ كما هو في مختلف التنظيمات‏..‏ والحركات التي تسمي شمولية أو كلية بمعني أنها تريد أن تصب المجتمع في قالب معين‏,‏ وتضع جميع الناس وبشكل شامل في هذا القالب بغض النظر عن إرادتهم‏,‏ وليس ذلك علي المستوي السياسي فقط‏,‏ ولكن أيضا علي صعيد الحياة الشخصية فتفرض علي البشر رؤيتها الكيفية التي يجب أن يعيشوا بها‏,‏ وتحدد لهم كيف يتحركون في صباحهم ومسائهم‏..‏ بل كيف يلبسون ويتصرفون‏,‏ وكيف يربون أبناءهم وصولا إلي أدق تفاصيل حياتهم‏.‏إن مثل هذه التنظيمات الشمولية‏,‏ التي تريد أن تجعل الناس نسخا متشابهة وتفتري علي الله وكأنها ترفض حكمته في أن يخلق عباده مختلفين‏'‏وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏'..‏ هذه التنظيمات عرفها التاريخ الحديث وسجل الكوارث في البلاد التي استولت عليها‏,‏ وحكمت شعوبها بالحديد والنار‏..‏ وهذا واضح في أفغانستان‏,‏ وفي قطاع غزة وما نراه فيه الآن من كارثة إنسانية لا نظير لها‏.‏ والحقيقة أن هذه التنظيمات تنزع إلي مصادرة حقوق الإنسان‏,‏ وتقتل فرديته وإنسانيته وتحوله إلي ممسوخ تائه‏,‏ وتجعل المواطن سجينا للقالب الذي تصبه فيه‏.‏ وهكذا تجند الشباب والفتيان الصغار فتسلبهم عقولهم وتحولهم إلي أرقام مسلسلة بلا إرادة‏,‏ ولا عقل وتجعلهم يعملون تحت شعار السمع والطاعة وينفذون أي أمر يصدر لهم دون تفكير أو تعقل حتي يصبحوا مؤهلين لارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية‏.‏وقد شهد القرن الماضي نوعين من هذه التنظيمات الشمولية إحداهما في أوروبا الغربية النازية والفاشية التي كانت وراء الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من‏50‏ مليون قتيل‏,‏ ثم التنظيمات الشيوعية الثانية التي ظهرت بعد الحرب العالمية‏,‏ وانهارت في بداية التسعينيات بعد أن جرت أوروبا الشرقية وروسيا إلي خراب سياسي واقتصادي مريع‏.‏ولا يمكن لمجتمعاتنا الحديثة أن تقبل وهي تتجه لعمليات الإصلاح والديمقراطية‏,‏ أن تقع فريسة لمثل هذه الأفكار الشمولية‏,‏ التي تلغي العقول‏,‏ وتقضي علي إمكانات التقدم في المجتمع‏,‏ ولاشك أن أخطر أنواع الشمولية تلك التي تتستر وراء الدين لأنها أشد قسوة وإيلاما‏,‏ في الوقت الذي تضفي فيه علي نفسها القداسة‏.‏وإذا كنا مطالبين بحماية تجربتنا السياسية من الأفكار الفاشية والنازية‏,‏ فإن علينا أن نواصل حمايتها أيضا من أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي ترفع شعارات ظاهرية باسم الإسلام‏..‏ فخطرها لا يقتصر علي النظام السياسي وحده‏,‏ فهي تستهدف هذا النظام كمدخل للتسلط علي الاقتصاد والسياسة‏..‏ والمجتمع والناس جميعا‏.‏
osaraya@ahram.org.eg
posted by مفيش فايدة at 3:44 AM

0 Comments:

Post a Comment

<< Home