من أنا؟

Wednesday, October 31, 2007

حزب لم يكمل تعليمه

يبدو أن الحزب الوطني الديمقراطي الموقر لم يكمل تعليمه.. وفي رواية أخري أنه «تسرب من التعليم».. وإلا ما كان قد ألغي محور التعليم من قائمة القضايا ذات الأولوية، في مؤتمره العام التاسع، الذي سينعقد في الفترة من ٣ إلي ٥ نوفمبر المقبل.
قرار مذهل وخيالي.. وتوجه ينبئ عن قصور في الفهم وغياب وعي بمستقبل هذا البلد.. فرغم اتفاق جميع القوي السياسية والفكرية، بل ومؤسسات الدولة، بدءا من الرئيس مبارك شخصيا، وانتهاء بأصغر حضانة في مصر، علي خطورة الحالة المتدهورة للتعليم بجميع مراحله، فإن السادة في الحزب وجدوا أنه من المناسب، والأفضل وضع أوراق التعليم ضمن بند الخدمات في المؤتمر، مع استبعاد الورقة الرئيسية لتطوير التعليم من قائمة القضايا ذات الأولوية.
حزب لا يعرف مصر.. لا يعرف أن أي شيء، وكل شيء، يبدأ وينتهي بالتعليم.. لا تنمية دون تطوير التعليم.. ولا قيمة ولا سعر للمواطن المصري دون تأهيله، وبناء عقله، وتكوين شخصيته، بالعلم الحديث.. والتعليم لدينا بات يشبه راعي الغنم، الذي يرعي قطيعاً ضخما في صحراء جرداء.. فلا القطيع أكل شيئا ذا قيمة.. ولا الراعي فكر واجتهد في العثور علي مراع غنَّاء.
وفي الحزب الوطني الديمقراطي الموقر، رجل اسمه حسام بدراوي.. صدع رؤوسنا بالدراسات والأبحاث عن تطوير التعليم في مصر.. سافر إلي الخارج كثيرا للوقوف علي تجارب الآخرين.. واتفق معنا علي أن مفتاح الحل لكل مشكلاتنا هو التنمية البشرية، وفي مقدمتها التعليم، كان يقول لي: لا مستقبل لمصر دون بناء إنسان قادر علي خوض معركة العلم.. فأرد عليه: طبعا..
فيقول: ونحن في الحزب لدينا رؤية متكاملة لفلسفة التعليم، التي ستنقل مصر إلي الأمام.. فأجيبه: رائع.. فيقول: سوف ترون كيف سنعالج الخلل الخطير في منظومة التعليم، انتظروا الحزب الوطني الذي سيعيد التعليم إلي عصره الذهبي.. فأقول: ياه يا دكتور حسام، يكفيكم، رغم مساوئكم الكثيرة، إصلاح التعليم!
صدقناه، وانتظرناه طويلا، هو وحزبه.. صدقناه وصدقنا الحزب الذي ضحك علينا في كل شيء.. ولكننا كنا نظن، واهمين أن قضية مثل إصلاح التعليم لن تكون صعبة علي الحزب وحكومته لأن أحدا في مصر ـ مستقلين ومعارضين ـ لن يختلف مع «الوطني» في أهمية إصلاح التعليم.. غير أن الحزب، الذي يفخر دائما، ويزهو بأنه يضم صفوة البلد، يري أن التعليم قضية ثانوية.. وأن العلم وبناء أجيال المستقبل لا وقت لهما الآن، في ظل ترتيب أمور أخري يعرفها السادة في أمانة السياسات الموقرة.
شخصياً.. قررت أن أصلح التعليم في بيتي.. لم ولن أنتظر حسام بدراوي وحزبه، وحكومتهما، وافتتحت مدرسة خاصة في البيت.. يذهب أبنائي للمدارس لتسجيل حضورهم فقط، والتعرف علي زملاء وأصدقاء جدد، وتبادل النغمات علي أجهزة الموبايل.. ثم يعودون «مغمن عليهم» من زحمة الطريق.. ينامون ساعة.. ثم يرن الجرس في البيت،
وتبدأ الحصص والعداد بيعد.. والحزب الوطني الديمقراطي الموقر يغط في نوم عميق.. وبالقطع لست وحدي.. فكل بيوت مصر تحولت إلي مدارس، بعد أن أعلنت الحكومة «اعتزال التعليم».. ويبقي أن نقيم لها مباراة اعتزال مع فريق برشلونة في استاد القاهرة الدولي بعد تجديده.
يا أمانة السياسات.. لا قيمة لما تفعلونه.. ولا فائدة من مؤتمر الحزب مادام التعليم غائبا.. وصدقوني: إعادة بناء وتحديث بلد كامل، وإعلاء قيمة العلم في ربوع مصر، أهم كثيرا من ترتيب «كراسي الحكم».. ولكن من يسمع.. ومن يفهم
posted by مفيش فايدة at 6:27 AM 0 comments

Tuesday, October 30, 2007

الرئيس النووي

وسط حفل مهيب‏,‏ ضم رموز مصر ومؤسساتها‏,‏ أعلن الرئيس حسني مبارك قراره الاستراتيجي بدخول مصر عصر الطاقة النووية‏,‏ لتنتقل مصر مع قائدها إلي مجال حيوي أكبر وأوسع نحو التقدم والنمو علي أسس ثابته وقواعد راسخة‏.‏ ولأن الطاقة هي وقود التقدم والتصنيع وعنوان بارز علي حيوية المجتمع وارتفاع مستوي معيشته ورفاهته‏,‏ فقد أولاها الرئيس مبارك اهتمامه وتركيزه‏,‏ فزاد إنتاجنا في عهده نحو تسعة أضعاف عما كان عليه في بداية الثمانينيات‏(‏ فارتفع من‏18‏ مليار كيلووات ساعة عام‏1981‏ إلي‏160‏ مليارا هذا العام‏).‏بمعني أننا بنينا في الثمانينيات والتسعينيات وحتي الآن أكثر من سد عال ليتضاعف نصيب الفرد من الطاقة أربع مرات برغم الزيادة السكانية الكبيرة‏.‏هذه الزيادة في حد ذاتها أكثر وأكبر من أي مشروع قومي آخر لأن الطاقة يرتبط بها كل شيء من تقدم وتطور ونمو وتغيير علي أرض مصر‏.‏وأمس الاثنين‏29‏ أكتوبر وقبل أيام من نهاية هذا الشهر ـ الذي شهد انتصاراتنا الكبري‏,‏ ودخول مصر مع مبارك عصر الانتصارات والنمو والتطور تحت ظلال السلام والاستقرار الذي هيأه للمصريين ـ شاء التخطيط‏,‏ وبتوفيق من الله يمنحه للمخلصين والمجتهدين وبعقلية القائد وعزيمة المنتصرين‏,‏ الذين يعملون ولايتوقفون عن العطاء والإنجاز في كل الظروف والأوقات ـ أن يعطي شعبه الذي أحبه وقدره ووثق بقيادته وبادله القائد حبا بحب وعطاء بعطاء‏,‏ أن يؤمن الرئيس مستقبل مصر في قضية الطاقة ونرتاد آفاقا جديدة رحبة نحو التطور والنمو والاستقرار‏,‏ ليعيش المصريون عصرهم لمصلحة كل فئات الشعب بل لمصلحة كل الأجيال‏,‏ بتأمين حق الأجيال الحالية في الرفاهية والتطور وحفظ حق الأجيال المقبلة في ثروات بلادهم من البترول والغاز الطبيعي‏.‏
وفي توقيت حرج وصعب ـ يشهد فيه العالم اضطرابا في السوق العالمية للطاقة‏,‏ وارتفاعا مذهلا في أسعار البترول سوف يتجاوز حاجز الـ‏100‏ دولار للبرميل‏,‏ وتنافسا بين المستهلكين للسيطرة علي الإنتاج العالمي‏,‏ وما تشهده منطقة الشرق الأوسط بثروتها من البترول والغاز من أزمات راهنة وأخري تلوح في الأفق ـ يـأخذ الرئيس مبارك قراره الاستراتيجي للحفاظ علي حق مصر في استمرار نموها الاقتصادي بمعدلات كبيرة‏,‏ وللحفاظ علي ثروتنا من البترول والغاز التي زادت بمعدلات كبيرة هي الأخري‏,‏ وأن نتكيف كدولة قوية مع بيئة دولية جديدة في أسواق الطاقة‏,‏ بتغيير استراتيجي في المعادلة الراهنة للطاقة والتنمية في مصر‏,‏ تدفعنا بقوة نحو تأمين مصادر مستديمة لها تفي باحتياجاتنا للنمو الاقتصادي في حاضرنا ولأجيال المستقبل عبر سلسلة من المحطات النووية للأغراض السلمية‏.‏إن طريقنا الجديد ـ كما وصفه الرئيس مبارك ـ قد يكون صعبا‏..‏ ولكنه ليس مستحيلا‏,‏ ونحن قادرون علي السير فيه لأننا مع قائد ورئيس يقودنا بحكمة وتبصر‏..‏ وله مصداقية كبري وثقة من شعبه‏,‏ واحترام متزايد من أمته ومحيطها الإقليمي‏,‏ ومكانة كبري في عالمها‏.‏ولأننا قد أحطنا الخطوة الجديدة وأوليناها دراسة متكاملة لأكثر من عام عقب إعلاننا الأول في مؤتمر الحزب الوطني الرابع‏2006‏ عن إحياء البرنامج النووي السلمي المصري‏.‏ولأننا أقدم دولة في منطقتنا تملك بنية أساسية وعلمية لتوليد الطاقة النووية‏,‏ فنحن علي ثقة بقدرة مصر علي السير في هذا المجال الحيوي‏.‏وقد أحاطه الرئيس مبارك بكل ضمانات النجاح‏,‏ عندما وضع أمن الطاقة في منظومة أمن مصر القومي‏.‏ وأعلن عن الخطوات التنفيذية لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء بخبرات مصر وقدراتها وبالتعاون مع الشركاء الدوليين‏,‏ في إطار من الشفافية واحترام التزاماتنا ومنظومة من الإجراءات التشريعية وآليات إعادة تشكيل المجلس الأعلي للاستخدامات السلمية للطاقة النووية‏,‏ وتفعيل دوره في وضع البرامج ومتابعة إنشاء المحطات‏..‏ وضمان سلامتها وكفاءة تشغيلها‏.‏إنها خطوة كبيرة لتأمين حاضر مصر ومسيرتها نحو المستقبل‏.‏
posted by مفيش فايدة at 5:51 AM 0 comments

كلمة هيكل

يسعدني ويشرفني أن تتفضلوا بدعوتي أول متحدث في المحاضرة التذكارية بكلية الصحافة التي أسس لها هذا التوافق بين جامعة «أوكسفورد» ووكالة «رويترز».

إن هذا التوافق بين جامعة عريقة (أوكسفورد) ووكالة أنباء شهيرة (رويترز) يصعب أن يكون لقاء مصادفات، إذا دققنا أسبابه وتمثلنا نتائجه.

ومن وجهة نظر عملية - وعلمية كذلك - فإن الصحافة علي تنوع وسائلها وأدواتها لديها ثلاثة طرق اقتراب واضحة إلي وظيفتها الحيوية في مجتمعات الحرية والتقدم.

أول طرق الاقتراب: أن تكون الصحافة - مكتوبة أو مسموعة أو مرئية - خطوطا مفتوحة تنقل القرار السياسي علي اختلاف مجالاته: داخلية وخارجية - اقتصادية واجتماعية - إستراتيچية وعسكرية - من مواقع صُنعه إلي أوسع دوائر المواطنة التي يهمها شأنه، بحيث يتأكد الحق العام في العلم به، وتتوافر إمكانية التعرف علي موجباته، والاستعداد لآثاره وتكاليفه،

والاطمئنان إلي اتساقه مع الإرادة العامة في الوطن وخارجه، ولكي يظل تحت المتابعة الدستورية والقانونية، ويصبح الرأي العام قادرا علي ممارسة مسؤولية الرقابة عليه، وعلي إعادة توجيهه ديمقراطيا إذا لزم.

وطريق الاقتراب الثاني: أن تكون وسائل الصحافة وأدواتها خطوطا مفتوحة - أيضا - ما بين مجالات الفكر والعلم والفن من مراكز حيويتها، سواء في الجامعات، أو المعاهد ومراكز البحث، أو مسارح العرض والأداء وأشكالها المتعددة في التعبير - إلي جمهور واسع له الحق أن يري ويستوعب ويستمتع.

وطريق الاقتراب الثالث: أن تحاول نفس الوسائل والأدوات قصاراها كي تنقل وتستثير أنفع وأرفع حوار بين القرار السياسي وشؤونه الجارية وقضاياه واهتماماته - وبين الأفكار وقدرتها علي تخصيب الفعل الإنساني وتوليده، لكي يجمع الحوار ما بين الفعل والفكر، ويؤكد القيمة ويحفز إرادة إنسانية ذكية وقوية - وهنا فإن التوافق بين الجامعة العريقة ووكالة الأنباء الشهيرة يصبح مرغوبا فيه ومطلوبا.

إن طرق الاقتراب الثلاثة كما وصفتها لا تحقق مطلوبها بهذه البساطة التي وصفتها، فالواقع العملي أكثر تعقيدا، لأن مراكز صُنع القرار لا تمارس فعلها في المثالي المفترض، وإنما تمارسه تحت سطوة صراعات تاريخية كبري ومصالح يتعارض بعضها مع بعض، والكثير منها غائر في زمانه، أو جامح في مقاصده، أو عنيف في ممارساته، وفي ظل هذه الأحوال فإن القرار السياسي تحكمه - بالقطع - عوامل غير مثالية!

بالتوازي فإن مجالات صُنع الأفكار ومنجزات العلوم وتجليات الفنون لا تطرح ما لديها في ذات الفضاء المثالي المفترض، وإنما تتأثر هذه المجالات في مجمل نشاطها بضغوط يناسبها أن تضرب علها تزيح، أو تحجب علها تحتكر، وهنا تبرز عوائق تعرقل المثال الحر للقيمة والقدوة.

يلي ذلك أن قنوات الاتصال التي تمثلها الصحافة لا تمارس دورها في نقل الأخبار والأفكار وصوت وصدي الحوار، علي خطوط مستقيمة سالكة ومطهرة، وإنما تتعرض قنواتها المفتوحة علي الطرق الطويلة لأنواع ودرجات من التدخل والتحيز تمليها الصراعات والضغوط والمصالح، وحتي الأهواء والأمزجة.

حضرات السيدات والسادة

إنني سعيد بهذه الفرصة التي أتحتموها لي كي أتحدث أمامكم في هذه المناسبة التي توافقت فيها جامعة عريقة مع وكالة أنباء شهيرة علي لقاء يسهم في دعم كفاءة الإعلام من حيث إعداده وتأهيله لأداء دوره دون عوائق بين القرار والأفكار والحوار، وبحيث يتحمل هذا الإعلام مسؤوليته في أزمنة متغيرة.

إننا نتحدث كثيرا عن عالم واحد لكن مثل هذا الحديث فيه قدر من المبالغة، أو ربما التمني، فقد نكون في حكم الجغرافيا عالما واحدا، لكننا في حكم التاريخ عالمين: شمال وجنوب، وليس يجدي أن نتأدب ونجامل في الحقيقة، وكذلك ليس يجدي أن نكتفي بالنظر إلي النخب المتعولمة في الجنوب، وننسي الكتل الهائلة من البشر وراءها - بل وبعيدا عنها.

إن هناك عالمين: شمال وجنوب - والفجوة بين الاثنين واسعة وخطرة، وهي تزداد اتساعا وخطرا إذ تلتبس الحقائق وتتداخل الهواجس بين المثالي المفترض وبين الواقع العملي المعقد عند صناع القرار والأفكار، وعندما تتلكأ قنوات النقل والتدفق الحر، وتتلوي مرات وتنسد مرات، وتصبح الفجوة هوة، والهوة هاوية، وتتحول الرسالة لغما في حرف أو قنبلة في رسم!

حضرات السيدات والسادة

إذا كانت دعوتكم مبعث سعادة وشرف لي، فهي في ذات اللحظة مسؤولية تدعوني أن أتحدث معكم بصراحة وأمانة، أزعم أنها قد تكون مقبولة مني وربما مغفورة.

ذلك أنني رجل من عالم الجنوب يدرك هموم عالمه لأنه يعيش واقعه، وهو يتحدث إلي عالم الشمال ويحسب أنه يستطيع فهمه، بظن أن الظروف أتاحت له أن يعيش مهنة الصحافة في الجنوب وفي الشمال معا، فقد كتب في العالم العربي وعنه، ومارس في الجريدة والكتاب والتليفزيون هناك،

ثم إن الظروف منحته فرصة أن يمارس هنا كذلك - وانطلاقا من هذا البلد بالتحديد، حيث قامت صحف ودوريات بريطانية عديدة مثل «التايمس» و«الجارديان» و«الإندبندنت» و«الأبزرفر» بنشر مقالاته وأحاديثه،

ثم إن مؤسسات نشر عريقة قامت بإصدار الطبعات الأصلية من كتبه، فظهرت كاملة في المكتبات لطالبيها، ثم نشرت علي فصول مسلسلة حملتها صحف كبري مثل «الصنداي تلجراف» و«الصنداي تايمس» إلي جانب مقالات وأحاديث وغيرها، وكل ذلك أخذ عمله إلي لغات كثيرة وصلت به واسعا وبعيدا!

حضرات السيدات والسادة

قلت إن انتمائي لعالم الجنوب يجعلني مدركا لهمومه ومشاكله، وقلت إنني زائر للشمال يظن أو يتوهم أنه يتفهم هذا العالم ومحركاته، وقلت إن المسافة بين العالمين واسعة وتزداد اتساعا، وأسمح لنفسي بالقول ومن هذه الحافة بين العالمين بأننا نحتاج الآن وبسرعة إلي جسور لعبور هذه المسافة، وإلا تصادمت الكتل ووقعت انفجارات مهولة تسقط مثل الكواكب التي يختل مدارها في ثقوب سوداء في مجاهل الفضاء! - وبعض ذلك وارد، واحتمالاته تتزايد إن لم نبذل جهدا، وأول الجهد أن نتصارح، مهما كانت المصارحة مزعجة!

دعوني أبدأ وأقول بتعميم إجمالي إن عالمنا في الجنوب يشعر بأن القرار الصادر من مراكز القوة الدولية - كما يصل إليه - يصدمه بقسوة لا يبدو أنها تأبه وتهتم - وبإصرار علي العنف لا يبدو أنه يخشي أو يتحرج - ثم إن صوت الحوار لا يدعوه إلي مشاركة، لأن القرار في معظم الأحيان ينقض عليه بغتة ودهما.

يشعر عالمنا في الجنوب كذلك أن دنيا الأفكار والعلوم والفنون - كما تضيء أمامه من بعيد - ليست مقبلة عليه أو مرحبة به كما يأمل ويتمني.

ثم إن صوت الحوار يصل إلي الجنوب - إذا وصل - مثقلا بشوائب من التحيز بل والعدوانية!

وهنا وفي هذا السياق فإنني أستأذن أن أطرح أمامكم ثلاث ملاحظات، آمل أن توضع في اعتباركم، راجيا أن لا يعتبر القول فيها نوعا من الشكوي أو عارضا من هواجس عقد نفسية لدي القائلين بها، وإذا بدا ظاهر هذه الملاحظات بعيدا عن الموضوع، فإنني آمل في صبركم لعله يتضح أنها قريبة منه إن لم تكن في صميمه.

أولي الملاحظات: أننا لسنا أمام صراع حضارات متعددة متعارضة يمكن أن تتصادم أو تتصالح، لأن شواهد التطور التاريخي تومئ إلينا بأنها حضارة إنسانية واحدة، صب فيها الجميع ما زاد عندهم أوقات الفيض، وسحب منها الجميع ما لزمهم أوقات الجفاف، وساعدوا - كل في زمانه - علي ملء خزان هائل للحضارة الإنسانية أصبح شراكة طبيعية ورصيدا جماعيا متاحا بالحق لمن يريد ويستطيع.

ومن المفيد هنا أن نتذكر أنه مع اتساع الأرض واتصال التاريخ - فإن كافة الشعوب والأمم قدمت ما راكمته من ثقافات البيئة والمعرفة والتجربة - وعن طريق الانتقال الحر للمنافع - إضافات سخية ومستمرة وتلقائية - إلي المشترك البشري الجامع.

ذلك حدث حالة التأمل والفلسفة بحثا عن الحق والحقيقة - حالة كشف العقل حين تعرف الناس في الفجر الإنساني الأول علي ملكات التصور، وتوصلوا إلي سر الحرف في الأبجدية وسحر الرقم في العدد - حالة التنبه إلي معجزة الزراعة - حالة صناعة الأدوات والمعدات - حالة فنون المعمار - حالة فتح الطرق واستئناس وسائل المواصلات - حالة صنع السفن وركوب البحار - حالة النظر إلي الفلك ومسارات النجوم، إلي آخره.

في هذه الحالات وغيرها فإن الثقافات الطالعة في كل مكان شقت جداول وينابيع محلية، فاضت علي جوارها عندما تبين هذا الجوار نفعها، ثم التقت هذه الجداول والينابيع لتكوِّن ما يمكن أن نسميه مجمع ثقافات أو أحواض حضارة بعضها يكاد يكون مرسوما محددا كخط بالقلم ومثاله الأظهر حوض البحر الأبيض - ثم إن الأحواض الحضارية في كل إقليم من أقاليم الدنيا امتلأت وفاضت، وتمددت واتصلت بحيث بسطت محيطا واسعا لحضارة إنسانية قابلة للانتشار، قادرة علي العطاء، عابرة للزمان والمكان.

وعلي امتداد عملية التفاعل بين الثقافات وهي تتدفق من مواقعها الأولية وأحواضها الأوسع إلي المحيط الكبير، وما بين الصب والسحب من الرصيد المشترك للحضارة الإنسانية فإن الحوض الحضاري للبحر الأبيض تحركت عليه تيارات تتبدي وكأنها خريطة مناخية حية موصولة بين معابد وقصور بابل ومنف إلي أروقة وأعمدة أثينا - إلي مكتبة الإسكندرية، إلي دار الحكمة في بغداد - إلي دمشق - إلي قرطبة، ثم عبر صقلية نحو جنوب أوروبا - إلي إيطاليا - ثم إلي الشمال نحو ألمانيا وفرنسا وبريطانيا،

ثم يتجه الخط عابرا للأطلسي إلي أمريكا ينفذ من الشاطئ إلي الشاطئ في اتجاه الباسيفيك، ليعود فيطل علي شرق آسيا، فإذا الحيوية المتجددة لفيض البحر الأبيض عبر الأطلنطي - تجتاز المحيط الهادي لكي تلتقي هناك بالحوض العميق للحضارة الصينية.

لقد تصادف هذا الصيف أنني وقفت أمام مكتبة الإسكندرية التي أعيد بناؤها، ثم كنت بعد أيام عند سفح "الأكروبول"، ثم صعدت سلم كنيسة القديس «بطرس» في الفاتيكان، ثم تجولت متأملا معالم النهضة ومقتنيات القصور في «فلورنسا»، ثم مشيت فوق جسور ينيسيا نحو ميدان القديس «مرقس»، وعند هذه المواقع ومشاهدها ملأت خواطري عبارة كتبها الأستاذ Stefano Carboni أمين متحف «المتربوليتان» في نيويورك قال فيها: «إن حوض البحر الأبيض المتوسط حدود سائلة!

Liquid Frontiers"، وذلك وصف دقيق لحركة

الثقافات في صنع أحواض حضارية، ثم فيضان هذه الأحواض لتصنع محيطا حضاريا عالميا وإنسانيا واحدا، وربما أننا إذا عدنا لحظة إلي مجال السياسة نتذكر أن هذا المحيط الإنساني ينسب - ولو من باب المجاز - في كل عصر إلي القوة الغالبة فيه: فهو فرعوني في عصر - إغريقي في عصر ثان - روماني في عصر ثالث - مسيحي في عصر رابع - إسلامي في عصر خامس - أوروبي في عصر سادس - أمريكي هذه اللحظة العابرة!

ومع تعدد اللغات في حالة الثقافات، فإن الحضارة لها لغة رئيسية في كل آن - هي لغة القوة الغالبة في زمانها، فهذه اللغة الرئيسية نطقت يونانية لحظة - لاتينية لحظة أخري - عربية بعد ذلك - ثم فرنسية أو إنجليزية في هذا الزمان - وقد تصبح نبرة أخري غدا أو بعد غد!

وعلي تقلب العصور فإن غلبة القوة لا يصح أن تُنسينا شراكة الرصيد الإنساني لمحيط الحضارة - فوق أي إمبراطورية - أو لغة!

أنتقل إلي ملاحظة ثانية ملخصها أنه قبل سنوات قليلة وقع استغلال فجيعة إنسانية محزنة ضربت مدينة نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وبهذا الاستغلال تحولت الفجيعة إلي عملية تلاعب مقصود بالصور وبأسلوب خداع البصر،

فإذا العالم يفاجأ بأن صورة المسلم - عربيا وغير عربي - قد أزيحت لتحل محلها صورة المتعصب الإرهابي، ثم تضافرت عناصر من عوالم القرار والأفكار والحوار تحت ضغوط المصالح المتصارعة بقصد ترسيخ هذا التلاعب بالصور وخداع البصر، إلي حد إعادة كتابة قصة الإرهاب في التاريخ، فإذا الشمال بريء منه، وإذا الشرق الأقصي بعيد عنه، وإذا الدين الإسلامي وحده مرادف للانتحار والقتل في المخيلة العامة الشائعة في الشمال.

نلاحظ أن رمزا دينيا له مقامه هو بابا الفاتيكان «بنديكتوس السادس عشر» وقف يتحدث عن الإسلام وعن الحضارة في جامعة ألمانية، فإذا هو يلحق «التمدن» بالشمال، والهمجية بالجنوب الإسلامي، ويقرر ولو بالتلميح أن الفارق بين العالمين: «أن الغرب أخذ من المسيحية ثم من الفلسفة اليونانية ما يميزه عن غيره في إعلاء قيمة الإنسان»،

وكان أمل كثيرين ورجاؤهم لو تذكر خليفة «بطرس الرسول» أن المسيحية كلها غيث نزل علي الشرق وفاض علي الغرب رسالة وحكمة - حواريين وقديسين - قصصا وتعاليم - صلوات وترانيم، كما أن السيد «المسيح» نفسه من مواليد «الناصرة»، والقديس «بطرس» - الذي يقوم الفاتيكان علي رفاته من أبناء القدس - كلاهما من الشرق، وأن القديس «مرقس» الذي تقوم كنيسته بمعمارها المتميز علي أجمل ميادين أوروبا «سان ماركو» مولود في أقاصي صعيد مصر،

وكان مدفنه في الإسكندرية، ومنها أخذ رفاته (ولا أقول سُرق) في القرن التاسع إلي «ينيسيا» - وذلك رغم أن كبار فناني النهضة جنحوا إلي تصوير هؤلاء الرسل والقديسين والحواريين معظم الوقت أصحاب بشرة بيضاء وعيون زرقاء وشعر ذهب.

هذا عن التأثر بالمسيحية في شأن تمدن الشمال أو تمدن الغرب.

وأما عن نفحة الفلسفة الإغريقية، فليس هناك من لا يعرف أن الفلسفة الإغريقية لها مقدمات سبقتها وجوار مشرقي أحاط بها وانساب إليها، ثم إن الفلسفة الإغريقية ضاعت من أوروبا في ظلام القرون الوسطي، بينما كان الجنوب الإسلامي في حالة انتعاش وتدفق ثقافي،

وضمن تفاعلات هذا الانتعاش والتدفق فإن الفلسفة الإغريقية عادت إلي أوروبا عن طريق فلاسفة الأندلس العرب، وعلي رأسهم الفيلسوف المسلم الأشهر «محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي»، ولم يكن «ابن رشد» وغيره من فلاسفة الإسلام مجرد وسطاء أو ناقلين، وإنما كانوا مجددين زادوا بالدرس، وتوسعوا وأحاطوا.

هي إذن حدود سائلة علي حد وصف أستاذ متحف "المتربوليتان" الحكيم.

حضرات السيدات والسادة

بقيت ملاحظة ثالثة أتمني أن ألمسها في رفق.

إنني توسعت كثيرا في حديث التاريخ، بينما حديثنا عن الصحافة، وظني أن هناك صلة من نوع ما بين الاثنين، معقدها أن الشرق المسلم ومعه مسيحيوه يدفع الضرائب مرتين:

الأولي - لأن حركة التقدم العالمي بسبب ثورة العلوم والتكنولوچيا لم تعطه حتي الآن فرصة لالتقاط الأنفاس، يمسك لحظتها بالعصر ويواصل معه، وفي حين أن الشرق البودي نجح - أحيانا - في الإمساك باللحظة، فإن الشرق الإسلامي ومعه مسيحيوه تعذر عليهم اللحاق لأسباب معقدة ليس هذا مجالها.

والثانية - وهي التي تعنيني لاتصالها بموضوع الإعلام، وملخصها أن الشرق المسلم يعاني من أن الأقلام والأضواء والعدسات كلها توجهت وتركزت عليه، بينما هو يعاني المرحلة الأصعب في الانتقال من قديم إلي جديد، ومن تأخر إلي سبق، ومن عتمة إلي نور.

وبالطبع فإنكم تتذكرون أن ولادة الجديد عندكم جرت وراء ستار، وأما في عالمنا فإنها جارية في منتصف النهار، وكذلك كان الجديد عندنا حملا ومخاضا وميلادا عاريا تحت الوهج وعلي مرأي ومسمع من عالم يتابع ما يجري، متجاهلا حقيقة أن الحمل والمخاض وولادة الجديد ـ حتي وإن كانت مؤلمة عندكم كما هي عندنا ـ فإن الفارق أنها جرت عندكم مكتومة لتظهر بعدها في كتب التاريخ بأثر رجعي، لكنها عندنا جرت علي الهواء مباشرة فبدت وكأنها فضائح بالصورة والصوت واللون.

حضرات السيدات والسادة

لقد كنتم محظوظين في اجتياز الجسور من التخلف إلي التقدم - ولم يكن لدينا مع الأسف هذا الحظ أو بعضه.

ويسأل بعض زملائنا هنا في الشمال: وماذا نفعل؟ - وأليست تلك طبيعة عصر السرعة؟ والتساؤل صحيح - والرد عليه بأمانة: أن الإعلام في الغرب ليس مطالبا - بالتأكيد - وهو يغطي الشأن الجاري في الجنوب بأن يستعيد السجلات كل مرة - لكن المرادف المعنوي لتعذر الاستعادة هو استذكار درجة من ثقافة الإدراك والتعاطف والموضوعية.

دعوني أقل إنه ليس من باب التعسف أن نسأل: ماذا لو أن الصحافة الحديثة وضمنها وكالات أنباء مثل: «رويترز» أو مؤسسات مثل A.B.C، وC.B.S، وN.B.C، والجزيرة، وSKY، وFOX، وC.N.N، كانت حاضرة زمن حروب الأباطرة والملوك - والكرادلة والعلماء - والمذاهب والطوائف - والقوميات والطبقات - والإمبراطوريات والتحديات الإمبراطورية لها في أوروبا؟!

ماذا علي سبيل المثال لو كانت هذه الصحافة الحديثة حاضرة أيام مذبحة «سان بارتولميو» - مثلا - حين جري ذبح مئات الألوف من «الهوجونوت» الفرنسيين علي أيدي مواطنيهم من الكاثوليك، بتحريض كرادلة ونبلاء؟!

وماذا لو كانت هذه الصحافة الحديثة حاضرة في ميدان «الكونكورد» حيث كانت مقصلة الثورة الفرنسية تدور وتقطع رؤوس الملوك والأمراء والسياسيين والمفكرين كل يوم من الصباح إلي منتصف الليل؟! - أو لو عبرت البحر إلي برج لندن، تنقل ما يجري وراء أسواره للإخوة من النبلاء والمحظيات وأولياء العهود من مآس وأهوال؟!

وماذا لو كان هناك بث علي الهواء مباشرة لوقائع الحرب الأهلية الأمريكية، حين قتل فيها الأخ أخاه، وانتهك عرضه، وحرق زرعه واستباح مدنه وقراه في أطول مجزرة عاشتها أمريكا، وأغزر شلال دم تدفق في العالم الجديد؟!

وماذا لو كان البث المباشر نفسه حاضرا ينقل علي الهواء مباشرة مشاهد بعض أو أشد الأعمال ظلما في تاريخ الإنسانية؟! - تلك التي كان الشمال لسوء الحظ فاعلها، من ظاهرة الاستعمار إلي ظاهرة العبودية - وإلي ظواهر أخري متوالية في قلب القرن العشرين، وضمنها الستالينية والفاشية والنازية، ومعاداة السامية، ومحارق الهولوكوست التي طالت اليهود وغيرهم من الأجناس والأعراق.

وماذا لو أن هذه الوسائل كانت حاضرة وعلي الهواء مباشرة تنقل الحرب الأهلية في إسبانيا، وتنقل فظائع «جويرنيكا» و«فالينسيا» و«توليدو»، بدلا من أن تعتمد في وصفها علي لمحات من كتابات فنانين وساسة من وزن «بابلو بيكاسو» و«أرنست همنجواي» و«أندريه مالرو» و«هيو توماس»؟!

تذكرون أن وسائل الإعلام الحديث لم تلحق إلا قرب النهاية بأهوال الحرب العالمية الأولي، وإلي حد محدود بالحرب العالمية الثانية، ونعرف بالطبع أن هاتين الحربين العالميتين كانتا صراعا بين قوي الشمال ذاتها، لكن الأطراف المتحاربة نقلت ميادين القتال إلي جميع القارات وفرضتها علي كل الأمم والشعوب،

وكانت الحصيلة الإنسانية ما بين ستين وسبعين مليونا من القتلي، وما بين مائة وخمسين إلي مائة وسبعين مليونا من الجرحي في الحربين معا، وعندما جاء المشهد الأخير في الحرب العالمية الثانية ووقع استعمال السلاح النووي،

فإنه لم يكن هناك نقل مباشر علي الهواء، وعلي أي حال فقد اكتفينا جميعا بسماع أصداء المأساة قائلين في نَفَس واحد شمالا وجنوبا: لن يتكرر ذلك مرة أخري، ومع ذلك ورغم هذا التعهد الإنساني الجامع فإنه عندما نشبت المعارك في أفغانستان والعراق، لم تتورع القوات الأمريكية عن استعمال أنواع من أسلحة «اليورانيوم» المستنفذ، وتلك درجة من الاستهتار - بالوعد وبالإنسان - يصعب اغتفارها.

حضرات السيدات والسادة

تلاحظون أنني أطلت الحديث فيما جري عندكم، وكنت في ذلك عامدا حتي تبين الصورة أمامكم، ومع أن ذلك إلحاحا، أعتذر عن طوله ولا أعتذر عن مقصده، فمن الإنصاف أن نتمثل وجها آخر للحقيقة وهذا هو الحال دائما، فإلي جانب ما عرضت لطرف منه - وكان يمكن أن أمضي في قوائمه إلي ما لا نهاية - فإن هناك فضلا يصعب إنكاره مبدئيا علي صحافة الشمال،

أوله ودون تحفظ، أن بعض قضايانا توجهت إليها لمحات مضيئة لضمائر يقظي قاومت ضغوطا وتهديدات نعرف مدي خطرها ونقدر درجة نفاذها إلي دوائر صنع القرار والأفكار والحوار.

وعلي سبيل المثال فإنه رغم سطوة أصدقاء إسرائيل فإن بعضا من الحقيقة ظهر وبان عن قضية الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه وأزيح إلي معسكرات وجيتوات مقهورة يائسة - ثم إنه رغم سلطان ما سُمي جماعة المحافظين الجُدد ومعهم مجموعة المستشرقين الجدد - فإن حقيقة ما جري في العراق تكشفت ابتداءً من غزو وطن عربي وتمزيقه بغرور وجهالة القوة وبذرائع مختلقة - كما أننا عرفنا أن الشعب العراقي فَقَدَ نصف مليون مواطن قتلوا،

وثلاثة ملايين خرجوا لاجئين من وطنهم، بعضهم داخله في العراق، وأكثرهم في المنافي خارجه، ثم إننا بفضل تلك الضمائر اليقظي في الشمال عرفنا ما جري في معاقل القهر من «جوانتانامو» - إلي «أبوغريب» - إلي الفالوجة - إلي البصرة - إلي الموصل.

إن تلك الضمائر الحية في صحافة الشمال هي التي كشفت كثيرين من هؤلاء الذين قدموا خططا سياسية، والذين قدموا فتاوي علمية في خدمة مشروع أخذه ما يعتري الإمبراطورية من حماقة القوة، وتجاهل ما تراكمه الإمبراطورية من حكمة الخبرة، ليثبت أن مشروعه هو الأقصر عمرا في تاريخ الإمبراطوريات، لأنه الأقصر نظرا بينها!

إننا وأهم من ذلك كله في تجربة الصب والسحب من الرصيد الإنساني المشترك في المحيط العالمي الأوسع، أخذنا هذا العلم البديع الذي قام هذا المعهد ليخدم أهدافه وهو: الصحافة مكتوبة مسموعة مرئية، ولا أتجاوز إذا قلت إنه أدي دورا هائلا في حياة عالمنا.

إنكم بالطبع سبقتم وطورتم، مستعينين باختراقات التكنولوچيا، حتي أصبح الإعلام العابر لمسافات الكون، أبرز ظواهر العصر وأقوي محركاته.

حضرات السيدات والسادة

علي أن طبائع مراحل التطور كما تفتح باستمرار، تقيد أحيانا فتضع حدودا لما يمكن أن يأخذه الناس عن غيرهم، بل يتحتم عليهم أن يصنعوه في تجربتهم بآلامهم، لأن هناك مجالات يستحيل فيها اختصار المعاناة بالنقل أو بالمحاكاة، تجنبا لإعادة اختراع العجلة من جديد.

وأول هذه المجالات هو مجال الحرية ليس بمعناها الشاعري وإنما باعتبارها توجها إلي نظم دستورية وقانونية مضمونة بعقد اجتماعي وسياسي يفرض احترام الحقوق، وبحيث يستطيع أي مواطن حر أن يمارس مسؤولية المواطنة.

إن تجارب الحرية يصعب نقلها ويصعب انتشارها، وتعميمها بالحركة الطبيعية الذاتية لعملية التطور، بل يتحتم صناعتها من البداية إلي مقصودها، أو صيانة هذا المقصود والدفاع عنه، لأن العصور لا تتماثل - والأحوال لكل أحكامها.

فعبر القرن العشرين - بالذات - تحددت القواعد والأصول عندكم، وأصبح ممكنا إرساء أصول وترسيخ بناء، وذلك لم يحدث بعد عندنا في الجنوب، حيث مازالت الحدود مضطربة، ومازالت القواعد واهية، لأن الصراع من أجل التنوير والحرية والتقدم يتخبط محتدما وتحت ظروف عصية.

بينها أن هذه المعركة في الجنوب تختزل في لحظة زمنية راهنة معارك، واجهت الشمال متتالية، فهناك تعاقبت وتوالت عصور التغيير: الحرية والتنوير - الصناعة والتجارة - العدل الاجتماعي - المواصلات والاتصالات - الإنترنت وعالم النشر الإلكتروني - لكنه عندنا تزاحم ذلك كله مع تباين الخلفيات والرؤي والضرورات.

وبينها أن تداخل العصور أحدث ضغوطا ومؤثرات حادة، قومية ودينية وطائفية ومذهبية أدت إلي خلط بين الأولويات، وإلي شطط في الوسائل قاد أحيانا إلي مجاهل تاهت بعيدا بالمقاصد.

وبينها أن المناخ الذي يحيط بعملية ولادة تجري علي الهواء مباشرة، علي قارعة الطريق وفي منتصف النهار يصيب جميع الأطراف بكل الأعراض التي تصاحب الانكشاف، ومنها الاضطراب والادعاء والإخفاء والتعمية.

وبينها أن نظم الحكم القائمة عجزت عن أن تؤسس لنفسها شرعية دستورية أو قانونية، ولم تعد سلطتها اختيارا وتفويضا وإنما إملاء وقمع، تعطلت إزاءه دواعي الرشد السياسي والاجتماعي وإدارة الأزمات، وذلك ساعد علي الإساءة لمشهد التطور عندنا وإساءة إلي صورته.

ومع أنني أتردد كثيرا قبل أن أضيف أي مسؤولية إلي حساب غير المعنيين في الأصل بها، فلابد من القول - ودون حرج - إن العنصر الخارجي يلعب دورا شديد السلبية في منطقتنا من الجنوب - بالتحديد الشرق الأوسط.

فهناك في قلب هذه المنطقة ثلاثة دواعٍ للخطر أشير إليها باقتضاب لكي أتجنب تكرارا شائعا ومملا رغم صحته، وهي بالترتيب: الموقع الاستراتيچي - وأهمية البترول حتي يظهر بديل له - وإسرائيل.

وهنا فمن الحق أن أضيف أن التفاعل بين عوار الشرعية الذي أصاب الدولة العربية الراهنة - مع ضغوط التطور في الداخل علي النظم - مع دواعي الخطر من العناصر الخارجية - كل ذلك أدي إلي فجوات واسعة سمحت بالتدخل الدولي في الشأن الداخلي للمنطقة، علي أنه لسوء الحظ أن بعض النفاذ الخارجي إلي المنطقة لم يكن دائما ضيفا ثقيلا دعا نفسه، وإنما وصل مدعوا مرغوبا فيه لمناورات السياسة الداخلية وتوازناتها المتصورة أو المتوهمة!

حضرات السيدات والسادة

إذا كنت قد وجهت بعض الملاحظات وفي لهجتها نبرة حدة، فإنني لم آت إلي هنا مكابرا ولا معايرا.

وإذا كنت في الملاحظات نفسها قد اعترفت بالتقدير لضمائر حية أدت أمانتها عندكم، فإنني لم آت إلي هنا مادحا أو مهنئا.

وإذا كنت أخيرا قد لمست جانبا من الأوضاع الراهنة في أحوالنا، فإنني لم آت إلي هنا شاكيا أو محرضا.

لقد جئت إلي هنا لداعٍ رئيسي هو أن أطل علي مشهد المحيط الحضاري الإنساني، قريبا من شاطئ المهنة التي تعنيكم وتعنينا - وجئت وورائي مؤسسة تحمل بمحض المصادفات اسمي، شاغلها خدمة الكفاءة المهنية لشباب الصحفيين العرب.

وقصاري ما أريده وذلك قصدي وهدفي، لا يخرج عن المشاركة معكم في بناء جسر علي موقع من مواقع الحضارة الإنسانية الواحدة التي صبت فيه كل الأمم ما تجمع لديها من نتاج ثقافاتها مما يكون صالحا للجميع، وحقا للجميع، لأنه ملك الجميع.

وشكرا لكم.
posted by مفيش فايدة at 2:55 AM 0 comments

Thursday, October 18, 2007

الاستاذ الكبير انيس منصور والشباب

الإنسان‏ ‏يحاول‏ ‏دائما‏ ‏أن‏ ‏يتوافق‏ ‏مع‏ ‏الدنيا‏ ‏حوله‏.. ‏مع‏ ‏الكون‏.. ‏مع‏ ‏نفسه‏, ‏وغيره‏ ‏من‏ ‏الناس‏.. ‏بين‏ ‏القديم‏ ‏والجديد‏.. ‏بين‏ ‏الأمل‏ ‏واليأس‏.. ‏الصحة‏ ‏والمرض‏..‏

يحاول‏ ‏الإنسان‏ ‏أن‏ ‏يواجه‏ ‏العواصف‏ ‏والزلازل‏ ‏والمحيطات‏.. ‏ويحاول‏ ‏أن‏ ‏يتوافق‏ ‏وأن‏ ‏يتغلب‏.. ‏وأن‏ ‏يسيطر‏. ‏أن‏ ‏يسيطر‏ ‏علي‏ ‏البيئة‏ ‏وعلي‏ ‏الكواكب‏ ‏الأخري‏.. ‏وقد‏ ‏وصل‏ ‏الإنسان‏ ‏إلي‏ ‏القمر‏ ‏وإلي‏ ‏كواكب‏ ‏المجموعة‏ ‏الشمسية‏.. ‏هذه‏ ‏السفن‏ ‏تحمل‏ ‏رسائل‏ ‏إلي‏ ‏أي‏ ‏كائنات‏ ‏أخري‏ ‏عاقلة‏ ‏تبلغها‏ ‏بعد‏ ‏آلاف‏ ‏السنين‏, ‏لعل‏ ‏أحدا‏ ‏يدري‏ ‏بنا‏ ‏ويحدثنا‏ ‏ويساعدنا‏ ‏علي‏ ‏معرفة‏ ‏الكون‏ ‏وحل‏ ‏مشاكلنا‏.. ‏أي‏ ‏اننا‏ ‏نريد‏ ‏أن‏ ‏نستفيد‏ ‏من‏ ‏تجاربه‏ ‏هو‏..‏

وعلي‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏اخترع‏ ‏العقول‏ ‏الالكترونية‏ ‏ونقل‏ ‏إليها‏ ‏كل‏ ‏المعلومات‏ ‏والعمليات‏ ‏الحسابية‏ ‏المعقدة‏, ‏فإن‏ ‏العقل‏ ‏الإنساني‏ ‏يعتمد‏ ‏تماما‏ ‏علي‏ ‏هذه‏ ‏العقول‏.. ‏فهو‏ ‏أسير‏ ‏لها‏ ‏مربوط‏ ‏بها‏.. ‏مع‏ ‏أنه‏ ‏الذي‏ ‏أبدعها‏.. ‏ولا‏ ‏يوجد‏ ‏مكان‏ ‏ليس‏ ‏به‏ ‏عقل‏ ‏الكتروني‏.. ‏ولا‏ ‏سفينة‏ ‏ولا‏ ‏مكوك‏ ‏ليس‏ ‏به‏ ‏عشرات‏ ‏العقول‏ ‏الالكترونية‏.. ‏وكل‏ ‏هذه‏ ‏العقول‏ ‏تعتمد‏ ‏علي‏ ‏مئات‏ ‏العقول‏ ‏التي‏ ‏تتابعها‏ ‏وتوجهها‏ ‏من‏ ‏سطح‏ ‏الأرض‏..‏

وهذه‏ ‏الحيرة‏ ‏التي‏ ‏تصيب‏ ‏الإنسان‏ ‏سببها‏ ‏الصعوبات‏ ‏الجديدة‏ ‏في‏ ‏مواجهة‏ ‏الدنيا‏.. ‏والمجتمع‏ ‏والكون‏.. ‏وهذا‏ ‏القلق‏ ‏وهذا‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الموت‏ ‏النووي‏ ‏قد‏ ‏أصاب‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏.. ‏والشباب‏ ‏أكثر‏ ‏الناس‏ ‏احساسا‏ ‏بالحاضر‏ ‏وقلقا‏ ‏علي‏ ‏المستقبل‏.. ‏كل‏ ‏الشباب‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏الدنيا‏.. ‏والعالم‏ ‏لأنه‏ ‏أصبح‏ ‏قريبا‏ ‏بعضه‏ ‏من‏ ‏بعض‏.. ‏فالذي‏ ‏يحدث‏ ‏في‏ ‏أمريكا‏ ‏يخيف‏ ‏الذين‏ ‏في‏ ‏الصين‏, ‏والذين‏ ‏في‏ ‏الصين‏ ‏يهزون‏ ‏الذين‏ ‏في‏ ‏أوروبا‏. ‏وأوروبا‏ ‏تزعزع‏ ‏الشرق‏..‏

وقد‏ ‏عايشت‏ ‏الشباب‏ ‏طوال‏ ‏عمري‏..‏

فعندما‏ ‏كنت‏ ‏مدرسا‏ ‏في‏ ‏الجامعة‏ ‏كان‏ ‏الطلبة‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏سني‏.. ‏وبعضهم‏ ‏كان‏ ‏أكبر‏.. ‏بل‏ ‏تصادف‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏تلامذتي‏ ‏واحدا‏ ‏من‏ ‏أقاربي‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏علمني‏ ‏حروف‏ ‏الهجاء‏ ‏وأنا‏ ‏طفل‏..‏

وعندما‏ ‏اشتغلت‏ ‏بالصحافة‏ ‏كنت‏ ‏شابا‏.. ‏وعندما‏ ‏رأست‏ ‏تحرير‏ ‏مجلة‏ ‏الجيل‏ ‏كان‏ ‏المحررون‏ ‏صغارا‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏سني‏.. ‏فكانوا‏ ‏مادتي‏ ‏العلمية‏.. ‏فمنهم‏ ‏وعنهم‏ ‏أكتب‏ ‏وإليهم‏ ‏أيضا‏.‏

وكنت‏ ‏دائما‏ ‏وسط‏ ‏الشباب‏ ‏ومازلت‏, ‏فهم‏ ‏مداد‏ ‏قلمي‏ ‏وألوان‏ ‏فرشاتي‏.. ‏وهم‏ ‏رؤيتي‏ ‏الفلسفية‏, ‏وهم‏ ‏عناصري‏ ‏السياسية‏ ‏وجذوري‏ ‏الأدبية‏.. ‏وعندما‏ ‏كنت‏ ‏رئيسا‏ ‏لتحرير‏ ‏آخر‏ ‏ساعة‏ ‏سنة‏ 1970 ‏كان‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏المحررين‏ ‏تلامذتي‏ ‏في‏ ‏الجامعة‏.. ‏وكانوا‏ ‏شبابا‏ ‏أيضا‏.. ‏وعندما‏ ‏أنشأت‏ ‏مجلة‏ ‏أكتوبر‏ ‏كان‏ ‏أكثر‏ ‏المحررين‏ ‏شبابا‏ ‏لم‏ ‏يعملوا‏ ‏بالصحافة‏ ‏من‏ ‏قبل‏.. ‏فكانوا‏ ‏زهورا‏ ‏يانعة‏ ‏لامعة‏ ‏شبابا‏ ‏يريد‏ ‏ويحاول‏ ‏ويصر‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏وأن‏ ‏ينجح‏.. ‏ونجحت‏ ‏مجلة‏ ‏أكتوبر‏ ‏بحيوية‏ ‏شبابها‏ ‏وطموحهم‏.. ‏وأحلامهم‏ ‏وعنادهم‏..‏

وأصدرت‏ ‏عددا‏ ‏كبيرا‏ ‏من‏ ‏الكتب‏ ‏عن‏ ‏الشباب‏ ‏وإليه‏..‏

ولحسن‏ ‏حظ‏ ‏مصر‏ ‏فإن‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏نصف‏ ‏أبنائنا‏ ‏من‏ ‏الشباب‏ ‏الكبار‏ ‏والصغار‏.. ‏تصور‏ ‏أن‏ ‏بلدنا‏ ‏أربعون‏ ‏مليونا‏ ‏من‏ ‏الشباب‏.. ‏أعظم‏ ‏ثروة‏ ‏بشرية‏.. ‏أروع‏ ‏قوة‏ ‏دافعة‏..‏

والشباب‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏صفاته‏: ‏النزاهة‏ ‏والطموح‏..‏

فهو‏ ‏علي‏ ‏خلق‏.. ‏ويريد‏ ‏أن‏ ‏ينجح‏.. ‏أن‏ ‏تنجح‏ ‏بلاده‏.. ‏وليس‏ ‏شباب‏ ‏مصر‏ ‏وحدها‏ ‏الذي‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يفعل‏ ‏شيئا‏ ‏وأن‏ ‏يحقق‏ ‏الكثير‏ ‏وأن‏ ‏يلحق‏ ‏بالدول‏ ‏الأخري‏.. ‏وإنما‏ ‏هذه‏ ‏هي‏ ‏أحلام‏ ‏الشباب‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏الدنيا‏. ‏ولأنه‏ ‏شباب‏ ‏فهو‏ ‏يتعجل‏.. ‏ولأنه‏ ‏يتعجل‏ ‏فهو‏ ‏يغلط‏.. ‏ولأنه‏ ‏يغلط‏ ‏فإنه‏ ‏يقع‏ ‏تحت‏ ‏ظلم‏ ‏الكبار‏.. ‏فهم‏ ‏يرون‏ ‏أنه‏ ‏مادام‏ ‏قد‏ ‏أخطأ‏ ‏في‏ ‏الحساب‏ ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏الصواب‏.. ‏فالخطأ‏ ‏احتكار‏ ‏للشباب‏, ‏والصواب‏ ‏احتكار‏ ‏للكبار‏.. ‏وهذا‏ ‏ظلم‏.. ‏فالذي‏ ‏يعمل‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يخطئ‏ ‏وأن‏ ‏يصيب‏.. ‏وأن‏ ‏يتعلم‏ ‏من‏ ‏خطئه‏, ‏والتاريخ‏ ‏الإنساني‏ ‏كله‏ ‏أخطاء‏ ‏للشعوب‏ ‏وهي‏ ‏تحاول‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏ثابتة‏ ‏الخطوات‏.. ‏وإذا‏ ‏لم‏ ‏يقع‏ ‏الطفل‏ ‏وهو‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏ينتقل‏ ‏من‏ ‏مرحلة‏ ‏الزحف‏ ‏علي‏ ‏أربع‏ ‏إلي‏ ‏السير‏ ‏علي‏ ‏ساقين‏.. ‏فلن‏ ‏يتعلم‏ ‏المشي‏ ‏والجري‏ ‏والرقص‏.. ‏لن‏ ‏تقوي‏ ‏عضلاته‏, ‏لن‏ ‏ينضج‏ ‏جهازه‏ ‏العصبي‏.. ‏لن‏ ‏ينتقل‏ ‏من‏ ‏مرحلة‏ ‏إلي‏ ‏مرحلة‏.. ‏من‏ ‏الطفولة‏ ‏إلي‏ ‏الشباب‏ ‏إلي‏ ‏الرجولة‏.. ‏وهذا‏ ‏حال‏ ‏الأطفال‏ ‏والرجال‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏الدنيا‏, ‏
سواء‏ ‏كانوا‏ ‏يعيشون‏ ‏في‏ ‏مجتمع‏ ‏زراعي‏ ‏أو‏ ‏صناعي‏. ‏أو‏ ‏مجتمع‏ ‏زراعي‏ ‏يتحول‏ ‏إلي‏ ‏مجتمع‏ ‏صناعي‏.. ‏فالطفل‏ ‏ينمو‏ ‏وفقا‏ ‏لبرنامج‏ ‏في‏ ‏داخله‏ ‏ويتحرك‏ ‏وفقا‏ ‏لبرنامج‏ ‏في‏ ‏خارجه‏.. ‏ينمو‏ ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏لكي‏ ‏يواجه‏ ‏النمو‏ ‏في‏ ‏الخارج‏.. ‏ويتوافق‏ ‏أو‏ ‏يتفوق‏ ‏عليه‏.. ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏التاريخ‏ ‏الإنساني‏ ‏كله‏.‏

فمن‏ ‏أجل‏ ‏أي‏ ‏شيء‏ ‏يعيش‏ ‏الإنسان‏.. ‏الإنسان‏ ‏الشاب‏ ‏والإنسان‏ ‏الرجل؟‏!‏

إن‏ ‏هناك‏ ‏أهدافا‏ ‏كثيرة‏ ‏تختلف‏ ‏من‏ ‏شخص‏ ‏إلي‏ ‏شخص‏.. ‏وفقا‏ ‏لثقافته‏ ‏وتقاليد‏ ‏بلاده‏ ‏وقدرته‏ ‏وسيطرة‏ ‏دولته‏ ‏عليه‏..‏

ولكن‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏نقول‏: ‏إن‏ ‏هناك‏ ‏ثلاثة‏ ‏عوامل‏ ‏تتحكم‏ ‏في‏ ‏حياة‏ ‏الإنسان‏.. ‏أي‏ ‏إنسان‏.. ‏هي‏: ‏الحب‏ ‏والفهم‏ ‏والإبداع‏.. ‏

ومن‏ ‏أجل‏ ‏هذه‏ ‏الأهداف‏ ‏أو‏ ‏بسببها‏ ‏يعمل‏ ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏مولده‏ ‏حتي‏ ‏مماته‏.. ‏بهذا‏ ‏الترتيب‏ ‏أو‏ ‏أي‏ ‏ترتيب‏ ‏آخر‏.. ‏ولكنها‏ ‏لا‏ ‏تنفصل‏ ‏بعضها‏ ‏عن‏ ‏بعض‏..‏

فكل‏ ‏شيء‏ ‏له‏ ‏قيمة‏ ‏يستحق‏ ‏من‏ ‏الإنسان‏ ‏أن‏ ‏يعيش‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏وأن‏ ‏يضحي‏ ‏في‏ ‏سبيله‏, ‏وتاريخ‏ ‏الإنسان‏ ‏طريق‏ ‏وهدف‏ ‏وتضحية‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الذي‏ ‏يقدس‏.. ‏وتكون‏ ‏التضحية‏ ‏بأغلي‏ ‏ما‏ ‏عند‏ ‏الإنسان‏ ‏أو‏ ‏بحياة‏ ‏الإنسان‏ ‏نفسه‏.‏

والحب‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يجعل‏ ‏لحياة‏ ‏الإنسان‏ ‏قيمة‏.. ‏حتي‏ ‏حبه‏ ‏للحيوان‏ ‏والنبات‏..‏

والحب‏ ‏يأتي‏ ‏بالحب‏ ‏أيضا‏..‏

فأنت‏ ‏تحب‏ ‏فتاة‏ ‏وحبك‏ ‏لها‏ ‏يجعلها‏ ‏هي‏ ‏أيضا‏ ‏تحبك‏.. ‏فالحب‏ ‏استثمار‏, ‏أنت‏ ‏تستثمره‏ ‏عندها‏.. ‏ويكون‏ ‏لهذا‏ ‏الحب‏ ‏مردود‏.. ‏حب‏ ‏آخر‏.. ‏أو‏ ‏حب‏ ‏أكثر‏.. ‏أو‏ ‏علاقة‏ ‏قوية‏ ‏تربط‏ ‏بينكما‏.. ‏وقد‏ ‏يؤدي‏ ‏حبك‏ ‏للفتاة‏ ‏أو‏ ‏حبها‏ ‏لك‏.. ‏أن‏ ‏تتولد‏ ‏عداوة‏ ‏لك‏.. ‏أو‏ ‏حقد‏ ‏عليك‏.. ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يجعلك‏ ‏تتمسك‏ ‏وتصر‏ ‏وتضحي‏.‏

والحب‏ ‏هو‏ ‏القوة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التي‏ ‏تتغلب‏ ‏علي‏ ‏أنانية‏ ‏الإنسان‏.. ‏أي‏ ‏تتغلب‏ ‏علي‏ ‏انشغالك‏ ‏بنفسك‏ ‏والعمل‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏كل‏ ‏مايجعلك‏ ‏أكبر‏ ‏وأغني‏ ‏وأقوي‏.. ‏لأن‏ ‏الأناني‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏امتلأ‏ ‏بنفسه‏ ‏حتي‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏في‏ ‏نفسه‏ ‏مكان‏ ‏لشيء‏ ‏آخر‏.. ‏أو‏ ‏لإنسان‏ ‏آخر‏.. ‏لكن‏ ‏الحب‏ ‏هو‏ ‏القوة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التي‏ ‏تفتح‏ ‏قلبك‏ ‏أكثر‏, ‏وعقلك‏ ‏أوسع‏, ‏وتفسح‏ ‏مكانا‏ ‏في‏ ‏قلبك‏ ‏لإنسان‏ ‏آخر‏.. ‏وتنظر‏ ‏إلي‏ ‏مستقبلك‏ ‏بأربع‏ ‏عيون‏.‏

إن‏ ‏الحب‏ ‏قد‏ ‏حطم‏ ‏أنانيتك‏ ‏وهزم‏ ‏غرورك‏ ‏وانغلاقك‏ ‏علي‏ ‏طموحك‏ ‏وعداءك‏ ‏للآخرين‏..‏

والحب‏: ‏رغبة‏..‏

وهناك‏ ‏نوعان‏ ‏من‏ ‏الرغبات‏: ‏رغبة‏ ‏أن‏ ‏تعطي‏ ‏للآخرين‏. ‏ورغبة‏ ‏أن‏ ‏تأخذ‏ ‏من‏ ‏الآخرين‏..‏

أما‏ ‏أن‏ ‏تعطي‏ ‏للآخرين‏, ‏أو‏ ‏تبذل‏ ‏من‏ ‏أجلهم‏, ‏فهي‏ ‏أن‏ ‏تشعر‏ ‏أنك‏ ‏أسمي‏, ‏أنبل‏.. ‏وأن‏ ‏العطاء‏ ‏واجب‏ ‏وأن‏ ‏تعطي‏ ‏بلا‏ ‏مقابل‏.. ‏لأنك‏ ‏تعطي‏ ‏لواحد‏ ‏من‏ ‏الناس‏.. ‏أو‏ ‏لكل‏ ‏الناس‏.. ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الحب‏ ‏الحقيقي‏, ‏لأنه‏ ‏يجردك‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏أنت‏ ‏وحدك‏ ‏مركز‏ ‏الكون‏..‏

الحب‏ ‏الحقيقي‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يدفعك‏ ‏الي‏ ‏معانقة‏ ‏الآخرين‏ ‏والانشغال‏ ‏بهم‏.. ‏وان‏ ‏تجد‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏سعادة‏ ‏غامرة‏.. ‏وان‏ ‏تضحي‏ ‏أيضا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الآخرين‏..‏

وهذه‏ ‏هي‏ ‏الصفة‏ ‏الكبري‏ ‏عند‏ ‏الأنبياء‏ ‏والمصلحين‏..‏وأساس‏ ‏التضحية‏ ‏هو‏ ‏الارتباط‏ ‏بالآخرين‏.. ‏لصالح‏ ‏الآخرين‏.. ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏العذاب‏ ‏بهم‏ ‏والشقاء‏ ‏معهم‏..‏

فالحب‏ ‏هكذا‏ ‏علاقة‏ ‏شاملة‏.. ‏حب‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏..‏

حب‏ ‏الدنيا‏.. ‏حب‏ ‏كل‏ ‏خلق‏ ‏الله‏.. ‏حب‏ ‏الكون‏.. ‏حب‏ ‏الله‏..‏

أما‏ ‏الرغبة‏ ‏الأخري‏ ‏فهي‏ ‏ان‏ ‏يكون‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏من‏ ‏أجلي‏ ‏أنا‏ .. ‏وفي‏ ‏سبيلي‏ ‏أنا‏.. ‏وفي‏ ‏مصلحتي‏ ‏وفي‏ ‏خدمتي‏ .. ‏فأنا‏ ‏أحب‏ ‏نفسي‏.. ‏وأري‏ ‏ان‏ ‏حب‏ ‏النفس‏ ‏هو‏ ‏أهم‏ ‏الوان‏ ‏الحب‏.. ‏وان‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏يجب‏ ‏ان‏ ‏يكون‏ ‏مسخرا‏ ‏لمتعتي‏.. ‏وراحتي‏.. ‏وأن‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏ ‏أدوات‏.. ‏أدواتي‏.. ‏كأنهم‏ ‏أصابعي‏ .. ‏كأنهم‏ ‏اسناني‏.. ‏أتناول‏ ‏بهم‏ ‏الأشياء‏..‏

فهذا‏ ‏الحب‏ ‏يجعل‏ ‏من‏ ‏الانسان‏ ‏أداة‏ ‏للانسان‏..‏

وهو‏ ‏أدني‏ ‏درجات‏ ‏الحب‏.. ‏بل‏ ‏انه‏ ‏أقرب‏ ‏الي‏ ‏الكراهية‏ .. ‏كراهية‏ ‏الناس‏ ‏إلا‏ ‏اذا‏ ‏كانوا‏ ‏في‏ ‏خدمتي‏.. ‏في‏ ‏مصلحتي‏.. ‏الا‏ ‏اذا‏ ‏كانوا‏ ‏متعتي‏..‏

وهذه‏ ‏الرغبة‏ ‏تجعل‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏طعاما‏ ‏وشرابا‏ ‏أتناوله‏ .. ‏فإذا‏ ‏أحب‏ ‏الواحد‏ ‏منا‏ ‏فتاة‏, ‏هذه‏ ‏الفتاة‏ ‏شيء‏.. ‏أداة‏.. ‏وسيلة‏ ‏وليست‏ ‏بشرا‏ ‏مثله‏.. ‏فإنه‏ ‏يقدرها‏ ‏كشيء‏ ‏جميل‏.. ‏تمثال‏.. ‏لوحة‏.. ‏ولكن‏ ‏ليست‏ ‏بشرا‏!!‏

وهناك‏ ‏جنس‏ ‏بين‏ ‏المحبين‏.. ‏وهذا‏ ‏طبيعي‏, ‏ولكن‏ ‏هناك‏ ‏فارقا‏ ‏كبيرا‏ ‏جدا‏ ‏بين‏ ‏ان‏ ‏يكون‏ ‏جنسيا‏ ‏فقط‏.. ‏وان‏ ‏يكون‏ ‏حبا‏ ‏يكمله‏ ‏الجنس‏.. ‏أو‏ ‏حب‏ ‏الجنس‏, ‏لأنه‏ ‏حب‏ ‏للشخص‏ ‏الآخر‏..‏

وهناك‏ ‏حب‏ ‏بلا‏ ‏جنس‏ ‏أيضا‏.. ‏كحب‏ ‏جمال‏ ‏الطبيعة‏ ‏والأعمال‏ ‏الفنية‏ ‏من‏ ‏شعر‏ ‏وموسيقي‏.. ‏وحب‏ ‏لجمال‏ ‏الكون‏..‏

ولكن‏ ‏الحب‏ ‏المتبادل‏ ‏بين‏ ‏رجل‏ ‏وامرأة‏ ‏يلهم‏ ‏الانسان‏ ‏القوة‏ ‏والشجاعة‏ ‏والتضحية‏ ‏والتقدم‏ ‏والبناء‏ ‏والابداع‏..‏

بل‏ ‏إن‏ ‏الانسان‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏ان‏ ‏يعمل‏ ‏ويعيش‏ ‏ويموت‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أناس‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لهم‏.. ‏كالذي‏ ‏يعمل‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏ان‏ ‏يكون‏ ‏اطفال‏ ‏المستقبل‏ ‏سعداء‏.. ‏انه‏ ‏يكد‏ ‏ويدرس‏ ‏ويتعب‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أناس‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لهم‏ ‏ولا‏ ‏يعرفهم‏, ‏ولكنه‏ ‏يعمل‏ ‏ويجيء‏ ‏عمله‏ ‏كأنه‏ ‏يراهم‏..‏

وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الحب‏ ‏هو‏: ‏فائض‏ ‏الحب‏.. ‏أي‏ ‏أنه‏ ‏حب‏ ‏كثير‏.. ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏احتياجه‏.. ‏فهو‏ ‏أحب‏ ‏ثم‏ ‏فاض‏ ‏الحب‏ ‏من‏ ‏أعماقه‏ ‏فشمل‏ ‏الآخرين‏ ‏الذين‏ ‏لا‏ ‏نهاية‏ ‏لعددهم‏.‏

ومن‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏يحب‏ ‏الانسان‏ ‏شخصا‏ ‏ليس‏ ‏موجودا‏.. ‏كأن‏ ‏يحب‏ ‏أحد‏ ‏العلماء‏ ‏القدامي‏, ‏أو‏ ‏الشعراء‏.. ‏أو‏ ‏رجال‏ ‏الدين‏.. ‏أو‏ ‏الخلفاء‏ ‏أو‏ ‏القديسين‏.. ‏فقد‏ ‏رأينا‏ ‏عددا‏ ‏كبيرا‏ ‏من‏ ‏الباحثين‏ ‏يفنون‏ ‏أعمارهم‏ ‏بحثا‏ ‏ودراسة‏ ‏لشخصيات‏ ‏ماتت‏ ‏منذ‏ ‏مئات‏ ‏السنين‏.‏

لقد‏ ‏أضاع‏ ‏هؤلاء‏ ‏الباحثون‏ ‏أعمارهم‏ ‏وأفنوها‏ ‏حبا‏ ‏لأناس‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لهم‏.. ‏

ووجد‏ ‏هؤلاء‏ ‏الباحثون‏ ‏أنهم‏ ‏حققوا‏ ‏دواءهم‏ ‏بهذا‏ ‏الحب‏.. ‏وان‏ ‏حبهم‏ ‏قد‏ ‏تحقق‏ ‏بالبحث‏ ‏عن‏ ‏حياة‏ ‏وافكار‏ ‏اناس‏ ‏عشقوهم‏.. ‏كأنهم‏ ‏لا‏ ‏يزالون‏ ‏أحياء‏..‏

فما‏ ‏أكثر‏ ‏القصائد‏ ‏واللوحات‏ ‏الفنية‏ ‏التي‏ ‏بقيت‏ ‏لنا‏ ‏بسبب‏ ‏أن‏ ‏رجالا‏ ‏أحبوا‏ ‏وماتت‏ ‏المحبوبة‏.. ‏انها‏ ‏ماتت‏ ‏لكل‏ ‏الناس‏.. ‏ولكنها‏ ‏لم‏ ‏تمت‏ ‏للمحب‏ ‏العاشق‏.. ‏فكتبوا‏ ‏وبكوا‏ ‏ونظموا‏ ‏ورسموا‏ ‏دموعا‏ ‏بالألوان‏ ‏والنغمات‏.. ‏وماتت‏ ‏المحبوبة‏, ‏وعاش‏ ‏حب‏ ‏العاشق‏ ‏الفنان‏..‏

الشاعر‏ ‏العظيم‏ ‏الإيطالي‏ ‏دانتي‏ ‏أحب‏ ‏اثنتين‏: ‏الفتاة‏ ‏بياترنيشه‏ ‏وأحب‏ ‏مدينة‏ ‏فلورنسه‏ ‏التي‏ ‏طردوه‏ ‏منها‏.. ‏ومن‏ ‏أجل‏ ‏بياترنيشه‏ ‏وفي‏ ‏سبيلها‏ ‏كتب‏ ‏الشاعر‏ ‏الكوميديا‏ ‏المقدسة‏ ‏وجعل‏ ‏الفتاة‏ ‏بياترنيشه‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏تقوده‏ ‏من‏ ‏النار‏ ‏الي‏ ‏الجنة‏..‏

وعندما‏ ‏كان‏ ‏يبعث‏ ‏بخطاباته‏ ‏الي‏ ‏أصدقائه‏ ‏كان‏ ‏يوقع‏ ‏خطاباته‏ ‏بهذه‏ ‏العبارة‏ ‏دانتي‏ ‏ابن‏ ‏مدينة‏ ‏فلورنسه‏..‏

وما‏ ‏قاله‏ ‏قيس‏ ‏ليلي‏ ‏في‏ ‏ليلي‏ ‏وكذلك‏ ‏جميل‏ ‏بثينة‏ ‏والشاعر‏ ‏كثير‏ ‏عزة‏..‏

وما‏ ‏قاله‏ ‏الشاعر‏ ‏الألماني‏ ‏نوفلتس‏ ‏في‏ ‏محبوبته‏ ‏صوفيا‏.. ‏وما‏ ‏قاله‏ ‏الشاعر‏ ‏الألماني‏ ‏ريلكه‏ ‏ومحبوبته‏ ‏نعمت‏ ‏علوي‏. ‏وما‏ ‏قاله‏ ‏الفيلسوف‏ ‏الدنماركي‏.. ‏كير‏ ‏كيجور‏ ‏في‏ ‏محبوبته‏ ‏رجينا‏...‏

وما‏ ‏قاله‏ ‏الفيلسوف‏ ‏الألماني‏ ‏نيتشه‏ ‏وعالم‏ ‏النفس‏ ‏فرويد‏ ‏والشاعر‏ ‏ريلكه‏ ‏عندما‏ ‏أحب‏ ‏الثلاثة‏ ‏واحدة‏ ‏هي‏ ‏سالومي‏ ‏وماذا‏ ‏قال‏ ‏العقاد‏ ‏في‏ ‏سارة‏ ‏ومصطفي‏ ‏صادق‏ ‏الرافعي‏ ‏في‏ ‏مي‏ ‏ومحمود‏ ‏حسن‏ ‏اسماعيل‏ ‏في‏ ‏نانا‏..‏

انهم‏ ‏الأنبياء‏ ‏والقديسون‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏يحبون‏ ‏الناس‏ ‏ويعتزلون‏ ‏الحياة‏ ‏ويتألمون‏ ‏ويتعذبون‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الجميع‏..‏

كذلك‏ ‏فعل‏ ‏بوذا‏ ‏وفعل‏ ‏المسيح‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏..‏

ومن‏ ‏أروع‏ ‏الصور‏ ‏الانسانية‏ ‏للحب‏ ‏الشامل‏ ‏لكل‏ ‏ما‏ ‏خلق‏ ‏الله‏ ‏حب‏ ‏القديس‏ ‏الايطالي‏ ‏فرانشيسكو‏ ‏ابن‏ ‏مدينة‏ ‏أسيزي‏.. ‏انه‏ ‏أحب‏ ‏الحيوان‏ ‏ورسمه‏ ‏علي‏ ‏جدران‏ ‏الكنيسة‏.. ‏ودخلت‏ ‏الطيور‏ ‏والحيوانات‏ ‏الكنيسة‏ ‏أيضا‏.. ‏لأنها‏ ‏مخلوقات‏ ‏الله‏.. ‏وأحب‏ ‏الشمس‏ ‏والقمر‏ ‏والهواء‏ ‏والماء‏ ‏لأنه‏ ‏يشعر‏ ‏بأخوة‏ ‏نحوها‏.. ‏ومعها‏.. ‏يشعر‏ ‏بأنه‏ ‏عضو‏ ‏في‏ ‏أسرة‏ ‏لا‏ ‏نهائية‏.. ‏والقديس‏.. ‏فرانشيسكو‏ ‏من‏ ‏أعظم‏ ‏وأروع‏ ‏مخلوقات‏ ‏الله‏..‏

والفيلسوف‏ ‏الصوفي‏ ‏محيي‏ ‏الدين‏ ‏بن‏ ‏عربي‏ ‏يتحدث‏ ‏عن‏ ‏وحدة‏ ‏الوجود‏.. ‏ان‏ ‏الوجود‏ ‏واحد‏.. ‏أن‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏شيء‏.. ‏وان‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏هو‏ ‏مظهر‏ ‏من‏ ‏مظاهر‏ ‏الله‏.. ‏فالكون‏ ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏فيه‏ ‏هو‏ ‏صورة‏ ‏الله‏, ‏وقد‏ ‏رأيناها‏ ‏ولمسناها‏..‏

ولكن‏ ‏فلسفة‏ ‏ابن‏ ‏عربي‏ ‏لا‏ ‏تجعل‏ ‏للانسان‏ ‏دورا‏ ‏عظيما‏ ‏هاما‏ .. ‏وانما‏ ‏هو‏ ‏كالاحجار‏ ‏والأنهار‏ ‏والأزهار‏ ‏لا‏ ‏فرق‏.. ‏فكلها‏ ‏تفيض‏ ‏من‏ ‏الله‏ ‏لتكون‏ ‏بهذه‏ ‏الأشكال‏ ‏والألوان‏.. ‏ولكن‏ ‏القديس‏ ‏فرانشيسكو‏ ‏يري‏ ‏أن‏ ‏الانسان‏ ‏هو‏ ‏كل‏ ‏الكون‏..‏

فالكون‏ ‏عيناه‏ ‏ويداه‏ ‏وقلبه‏ ‏وعقله‏.. ‏فالانسان‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الحب‏ ‏قد‏ ‏اتسع‏ ‏قلبه‏ ‏لكل‏ ‏الكون‏.. ‏فهو‏ ‏الذي‏ ‏يحب‏ ‏وهو‏ ‏الذي‏ ‏يذوب‏.. ‏وهو‏ ‏الذي‏ ‏باختياره‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏شيئا‏, ‏لأنه‏ ‏قد‏ ‏ذاب‏ ‏في‏ ‏المحبوب‏.. ‏والكون‏ ‏كله‏ ‏هو‏ ‏المحبوب‏..‏

ومن‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏أنشغل‏ ‏كثيرا‏ ‏جدا‏ ‏بهذا‏ ‏القديس‏.. ‏

أي‏: ‏أفني‏ ‏عمري‏ ‏في‏ ‏عمره‏.. ‏مع‏ ‏انه‏ ‏مات‏ ‏منذ‏ 750 ‏عاما‏.. ‏فهذا‏ ‏الحب‏ ‏منزه‏ ‏عن‏ ‏الغرض‏.. ‏وهو‏ ‏فائض‏ ‏حبي‏.. ‏أي‏ ‏ما‏ ‏فاض‏ ‏من‏ ‏حبي‏ ‏عن‏ ‏احتياجي‏.. ‏بل‏ ‏ان‏ ‏هذا‏ ‏الحب‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏يطغي‏ ‏علي‏ ‏كل‏ ‏حب‏ ‏في‏ ‏حياتي‏.. ‏فتصبح‏ ‏الحياة‏ ‏كلها‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏شخص‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏له‏.. ‏ولكن‏ ‏أنا‏ ‏الذي‏ ‏أحببته‏ ‏في‏ ‏حياتي‏.. ‏فكان‏ ‏حياتي‏!‏
posted by مفيش فايدة at 9:32 AM 0 comments

Monday, October 15, 2007

يا انجازتك يا مبارك

الزميل العزيز سليمان جوده كتب مقالاً في "المصري اليوم" خلص فيه إلي أن الرئيس مبارك مازال في حاجة إلي إنجاز سياسي يحسب له مثل السادات الذي وقع اتفاقية السلام. والنحاس الذي وقع وألغي معاهدة 1936 وسراج الدين وفضله في معركة الإسماعيلية الشهيرة ... و.. و.. أكد زميلنا أن إنجاز الرئيس مبارك الأهم حتي الآن من وجهه نظره هو تحقيق الضربة الجوية التي فتحت باب نصر اكتوبر العظيم. ونوه إلي أنه غير مستعد أن يقول له أحد إن الاستقرار هو إنجاز مبارك الأكبر. لأن هذا الاستقرار كان الراحل العظيم أنور السادات هو السبب فيه بمعاهدة السلام التي وقعها ببصيرة سياسية نادرة. ولا أختلف مع الزميل جوده في تقديري البالغ لدور السادات العظيم بطل الحرب والسلام. ولكن ليسمح لي الزميل أن أذكره أن الاستقرار الذي مهد له السادات كان من الممكن أن يضيع في غمضة عين لو لم يكن هناك رئيس بعقل وحكمة مبارك. فالاستقرار لم يكن ليتحقق لو وافق مبارك علي مطالب إسرائيل بالحصول علي ضمان كتابي من مصر بالتزامها باتفاقية كامب ديفيد. وانها لاتنقضها.. وقالها مبارك صريحة لالكسندر هيج وزير خارجية أمريكا في أول زيارة له للقاهرة "مصر لاتقدم ضمانات لكلمتها أو توقيعها". ولن أتحدث عن اصرار الرئيس في التمسك بطابا حتي لو كانت كيلو مترا واحداً. وعدم تفريطه في ذرة رمل واحدة. بينما "فرط" آخرون علي مر التاريخ في مناطق مصرية 100% منها علي سبيل المثال لا الحصر. ""أم الرشراش" وواحة جغبوب. ودير السلطان.. يكفي فخرا للرئيس إذا كنتم لاتريدون أن تنسبوا الاستقرار إليه أنه لم يفرط في أرض مصرية وأيضا لم ينتهج أي سياسة تؤدي إلي أن نفاجأ بجنود أجانب علي أرضنا في وقت انتشروا فيه في معظم الدول المحيطة بنا. ان توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل كان بالتأكيد أهم إنجاز سياسي عربي في وقته. لكن الرؤية الحكيمة لمبارك هي التي ضمنت استمرار هذا الإنجاز. وقد كان من السهل إهداره كما حدث مع الفلسطينيين الذين وقعوا واتفقوا ثم ذهب كل ببضاعته يروجها بعيداً عن الآخر.. ولا تقل لي يا زميلي العزيز إن إسرائيل "فقط" هي سبب ضياع السلام. فأنت وأنا نعلم ما فعله الفلسطينيون في بعضهم فساعدوا إسرائيل بخلافاتهم. وإذا كنت لا تعترف بأن الاستقرار هو إنجاز سياسي لمبارك لا يقل عن الإنجاز العسكري. فإنني أحيلك إلي أشياء أخري علها تذكرنا وتذكرك بأن إنجازات مبارك لا تعد ولا تحصي. مبارك الرئيس الوحيد بين رؤساء مصر الثلاثة الذي حظي بشرعية ثلاثية. هي شرعية أكتوبر وكونه نائباً "وحيداً" لرئيس الجمهورية وثالثاً شرعية الانتخاب أو شرعية الاختيار الذي أجمع عليه الشعب في أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ مصر. لكن يبقي الإنجاز الأهم والأبقي في مسيرة مبارك وهو أنه بطل الديمقراطية والتنمية. ولا تقل لي إن الموجود في مصر الآن هو هامش حرية وديمقراطية مزيفة ومزورة وقوانين صيغت خصيصاً لضرب المعارضة.. وعفواً فإني لن أصدق ذلك. الإنجاز الأهم والأبقي للرئيس مبارك هو الديمقراطية والتنمية. وهو الإنجاز أو المشروع القومي الذي لا يشعر أحد بقيمته الآن. وإن كان هذا الإحساس سيتزايد في عصر ما بعد مبارك. تماماً كما أدركنا أهمية السد العالي بعد رحيل عبدالناصر. الطريف اننا في إطار الحملة ضد ناصر التي قادها مؤيدو السادات سمعنا عن أن السد العالي هو السبب في عدم وصول الطمي إلي الأراضي الزراعية . وبالتالي فقدت الأرض خصوبتها. وقالوا إن الفيضان كان يغسل الأراضي الزراعية.. وكان.. وكان.. وذهب السادات وبقي إنجاز عبدالناصر الذي يتغني الناس به الآن. بعد أن شتموه في عهد السادات. الرئيس مبارك هو بطل الديمقراطية والتنمية. والذين يهاجمون الحياة السياسية المصرية الآن وديكتاتورية الحزب الحاكم. ويشيعون أن أجواء الصحافة تنذر بعودة انتكاسة سبتمبر. أقول لهم سيجيء وقت يتذكر فيه المعارضون الرئيس مبارك بكل خير. ويتمنون أن يتاح لهم قدرا يسيرا من الحرية التي كانت سائدة في عهده. الرئيس مبارك هو الوحيد بين رؤساء مصر الذي تطاولت عليه الصحف وعلي عائلته تحت دعوي حرية الصحافة وتركهم يزايدون ويتزايدون حتي تهددت الحرية الاقتصادية للبلد. فكان لابد من وقفة لمراجعة النفس وليس للعقاب كما تصور الصحافة المنتحرة نفسها. سيجيء وقت يقارن فيه المزايدون عصر ما بعد مبارك بعهده. ويقولون إنهم كانوا يفعلون كذا.. ويكتبون.. ويشيعون.. ويشنعون فلا يعترض عليهم أحد ولا يرفع إصبعا في وجوههم. إنجاز مبارك الأكبر والأبقي هو الديمقراطية والتنمية. وهو الرئيس الوحيد - إذا كنتم لا تذكرون - الذي دخل 88 نائبا من الإخوان المسلمين البرلمان في عهده. ثم تطاولوا عليه وعلي مصر. إننا لا نقول إن الديمقراطية في مصر قد بلغت أوجها وقوتها. ولكننا نقول إنها بدأت في عهد مبارك وهو حاميها وراعيها والذي صبر وثابر عليها رغم التجاوزات والشطط والانفلات. إن الذين يقارنون بين ما حدث من أحكام غرامة ضد بعض الصحفيين وبين أحداث سبتمبر 1981. عليهم أن يذكروا من الذي أنهي اعتقالات سبتمبر. ومن الذي أصر علي عدم قصف قلم أي معارض. وهو عكس ما كان يحدث مع الرئيس السادات الذي منع كثيرين من الكتابة. بل علي العكس فمازال ايمن نور " السجين " يكتب في الصحف من داخل سجنه .. إذا كنا نبحث عن الإنجاز الأهم والأبقي للرئيس مبارك فأؤكد أنه الحرية التي صدرت في ظلها صحف خاصة لأول مرة بعد الثورة. وهي الصحف التي يكتب فيها الزملاء ويخرجون عن كل قيمة وناموس وقانون. وأخيرا فإن الذين هاجموا عبدالناصر وانتقدوا السادات . يختلفون اختلافا جذريا عمن ينتقد الرئيس مبارك الآن. فهو أول رئيس يقرأ نقدا لاذعا له وهو في الحكم وبيده كل السلطات.. وهو أيضا يتم الكتابة ضده في مانشيتات الصحف. بعد أن كان الصحفيون سابقا يتحايلون علي ذلك بكتابة قصة مثل "شيء من الخوف" لثروت أباظة أو "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم. ويا زميلي العزيز.. كما عرفنا قيمة ناصر والسادات. سنعرف قدر مبارك.. ونتمني عندما نعرفه أن تكون مصر حرة وقوية ومستقرة تنعم باستقلال أراضيها وديمقراطية برلمانها. وانفلات صحفها كما هي الآن.
posted by مفيش فايدة at 4:57 AM 0 comments

تزبيط الشغل اهم من الشغل

أكدت التجربة أن الحداقة والفهلوه والمفهومية تحقق ما يعجز عن تحقيقه العلم والبحث والتخطيط‏!!‏ وأن الأهم من الشغل هو‏'‏ تزبيط‏'‏ الشغل‏!!‏ يعني بذمتك كام وزير تعليم تولي هذا المنصب وفكر‏-‏ مجرد فكرة‏-‏ أن يقترب من مبدأ تكافؤ الفرص أو أن يمس مجانية التعليم‏..‏ علي ما أظن لا يوجد لأن مجرد الاقتراب من الفكرة خطر لا يستطيع أحد أن يتحمله لأنه قد يمس كرسي الوزارة نفسه‏!!‏ وهذا للأسف لأن كل من سبق منهم بيفكر في الشغل نفسه ولكن الدكتور هاني هلال اكتشف الحل السحري وهو أن‏'‏ تزبيط‏'‏ الشغل أهم من الشغل نفسه‏!!‏ وأول حاجة في‏'‏ التزبيط‏'‏ اختيار الاسم اللطيف الخفيف الظريف الذي يخترق جسم المواطن المصري فلا يشعر به‏!!‏ حاجة كده زي شكة الدبوس‏!!‏يعني عايزين نخللي التعليم بفلوس‏..‏ سهل خالص خالص‏!‏ بس بشرط مفيش لزوم للكلام بصراحة عن مجانية التعليم أو تكافؤ الفرص‏..‏ ولكن نخللي الكلام عن حاجة ثانية خالص مالهاش دعوة بالموضوع الأصلي يعني نقول ياجماعة التعليم المجاني زي ما هو وعلي رأسنا من فوق وشوية من الكلام الحلو بتاع لا مساس بالمجانية واحنا أولاد المجانية لكن ياجماعة‏-‏ ده الوزير بيقول حنعمل حاجة تانية اسمها البرامج الجديدة ودي حاجة محترمة ومتقدمة ولها أساتذة متفرغون لخدمة طلابهم ومناهج آخر حلاوة وبمنطق أطبخي ياجارية كلف ياسيدي‏..‏ فإن علي الطالب في هذه البرامج الجميلة المميزة أن يدفع حوالي عشرة آلاف جنيه قفزت هذا العام إلي‏14‏ ألف جنيه بالتمام والكمال‏!!‏ وطبعا ما تشغلش بالك بالعيال الفقراء بتوع التعليم المجاني‏..‏ مش كفاية أنهم بيدخلوا الجامعة أساسا‏!!‏ وإذا الظروف حكمت وكان وجودهم مصدر ضيق أو قلق للطلاب القادرة علي الدفع في البرامج الجديدة ندور للغلابة علي أي مكان محدوف ومتطوح بعيد شوية يتحطوا فيه لغاية ما بعد كام سنة يزهقوا هم وأهاليــهم ويصرفوا نظر عن حكاية التعليم المجاني اللي مش جايبه غير الهم ووجع القلب وشوية شوية ينقرض هؤلاء الغلابة ويختفون من الجامعات وتصبح الجامعات حلالا بلالا هنيئا مريئا لأبناء القادرين علي الدفع وبكده تمر الحكاية بسهولة خالـص كما‏'‏ شكة الدبوس‏'!!‏والحقيقة أن ما نشرته في الأسبوع الماضي عن‏'‏ نفي‏'‏ طلاب هندسة القاهرة الغلابة إلي مدينة الشيخ زايد لصالح الطلاب أولاد الناس‏'‏ القادرة‏'‏ أثار ردود أفعال أوسع مما تصورت أوجزتها رسالة تقول‏'‏ حول ما نشرته بخصوص طلبة إعدادي هندسة القاهرة والذي تم نقلهم إلي مبني الكلية بمدينة الشيخ زايد فأنا أم لطالب من هؤلاء الطلبة المعذبين‏.‏يبدأ يومه الدراسي من الساعة السادسة صباحا جريا وراء أتوبيس يقله إلي مكان دراسته ويتعرض إلي نفس الموقف في رحلة العودة ليعود لمنزلة في السادسة مساء يعني‏12‏ ساعة يوميا نصفها معاناة‏!‏ ثم أن المبني غير مجهز لاستقبال طلاب ويحضرون المحاضرات في قاعة مسرح لا يرون فيها الأستاذ ولا يسمعون صوته بسهولة‏!!‏وتسأل الأم ياتري هل صاحب القرار الذي ظلم أبناءنا المتفوقين راض الآن عن قراره الظالم ببهدلة آلاف الطلبة حيث أنه لا وقت للمذاكرة لا وقت للراحة حيث أن الطلبة في رحلة عذاب يومية لمدة خمسة أيام أسبوعيا؟وياتري في أيام الامتحانات ومع عدم انتظام السيارات وأحيانا عدم مجيئها ماذا سيكون موقف الطلاب؟هؤلاء طلاب متفوقون وليس ذنبهم أنهم من عائلات شريفة وكادحة وليسوا من عائلات قادرة علي أن تدفع آلاف الجنيهات لكي تعلم أبناءها علي حساب أولادنا وأن تتولي الدفاع عنهم‏.‏وربما في نفس الاطار وعلشان الحكاية تجري بسرعة أكثر مفيش مانع أن الغلابة دول كمان ندوس عليهم شوية يعني بعد نفيهم إلي مدينة الشيخ زايد مثلا نخللي كل واحد منهم يدفع مائة جنيه شهريا مصاريف أتوبيس يحدفه هناك وكمان نلعب شوية في المصاريف الدراسية‏..‏ يعني شوية زيادة هنا علي شوية زيادة هناك بدءا من الرسوم إلي المكتبة إلي الأنشطة إلي المدينة الجامعية بس مش حنقول زيادة أو رفع للمصروفات أبدا أبدا حنقول‏'‏ تحريك‏'‏ للمصروفات أو إسهام تحسين الخدمة الطلابية مش بقولك الأهم من الشغل‏'‏ تزبيط الشغل‏'.‏وعندما تسأل عن حكاية‏'‏ تحريك‏'‏ المصروفات الدراسية للطلبة الغلابة يقتلك منطق‏'‏ ما هو كل حاجة سعرها بتزيد‏...'‏ منطق‏'‏ شوف كرتونة البيض بكام ؟ وعلبة السمنة ثلاثة كيلو بقت بكام ؟‏!'‏ وتشعر أنك تتناقش في صاحب سوبر ماركت‏!!‏ طيب بذمتك ترد تقول أيه إذا كان المسئول المحترم شايف الموضوع بهذا المنطق ؟ تحاول أن توضح لسيادته أن التعليم لايكيل بالباذنجان‏-‏ علي رأي عادل إمام‏-‏ وأن التعليم عملية تنمية للبشر وأنه استثمار تتحمل الدولة مسئوليته من مواردها السيادية وأن التعليم مثل العلاج والأمن يجب أن تكفله الدولة للمواطن القادر علميا وتحاول أن تشرح للمسئول المحترم ما يسمي بالحراك الاجتماعي اللي هو انتقال مواطن من طبقة إلي طبقة اجتماعية أفضل وأن الطريق الوحيد المشروع لتحقيق ذلك الحراك هو التعليم فيرد عليك المسئول المحترم بنفس منطق كرتونة البيض وعلبه السمن ثلاثة كيلو‏!!!‏ ويقول لك يعني أيه‏200‏ أو‏300‏ جنيه زيادة‏!!‏ ده كل عيل شايل موبايل‏!!‏ ساعتها فقط تفهم معني كلمة الأذان في مالطة والنفخ في القربة المخرومة‏!!‏ وساعتها أيضا تدرك صحة نظرية أن تزبيط الشغل أهم من الشغل نفسه‏!!‏ وساعتها ممكن كلنا نلبس العمة يامزبطني‏!!‏
posted by مفيش فايدة at 4:44 AM 0 comments

والله حعيط

معك مصر آمنة‏..‏ وتملك حاضرها وتتطلع إلي مستقبلها‏.‏القدر ورعاية الله مع مصر دائما وحافظة لها‏.‏يتعانق عيد الفطر المبارك كل عام وأنتم بخير مع عيد النصر ومع اليوم الذي ندخل فيه عاما جديدا في ظل قيادة الرئيس مبارك الحكيمة والملهمة لمصرنا العزيزة‏,‏ لتؤكد لنا استمرارية هذه الحقيقة الساطعة في عهدك معنا‏.‏في مثل هذا اليوم كنا علي موعد مع لطف الأقدار بنا عندما أرادت يد الغدر والإرهاب السوء بمصر‏.‏أرادوا لنا الفوضي والاضطراب بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات‏,‏ بطل الحرب والسلام‏,‏ فحفظتك الأقدار لبلادك لتقودها في الزمن الصعب نحو الاستقرار والنمو والمستقبل‏,‏ فتعيد البناء للوطن والإنسان معا‏.‏أصبحت مصر في عهدك واحة للأمن والأمان في محيطها‏,‏ ووطنا للحرية‏,‏ ورمزا للسلام في عالمنا‏.‏القدر هو نفسه الذي رعي بلادنا يوم أن جعلك مديرا لكلية الطيران لتعد طياري مصر ليوم النصر‏..‏ ثم رئيسا لأركان أهم سلاح قبل حرب التحرير‏,‏ لتبني أسرابه ومؤسساته كما بنيت كوادرهم‏,‏ معلما ثم قائدا لسلاح الطيران‏,‏ عشية الحرب لتقود أسرابنا نحو العبور‏,‏ وتهيئ لقواتنا البرية عبورا آمنا نحو سيناء‏,‏ في أشرف معارك التحرير في كل تاريخنا‏.‏أكملنا معك‏,‏ وبعقلك‏,‏ وبعزيمتك‏,‏ تحرير كامل ترابنا‏,‏ لتعود أرض مصر حرة بالكامل لشعبها‏.‏هو القدر ذاته الذي ادخرك لنا لتقود مصر في معركة مواجهة الإرهاب والتطرف والفوضي‏,‏ لتعيد الاستقرار لربوعها‏,‏ وهو القدر ذاته الذي جعلك باني مصر الحديثة‏..‏هيأت اقتصادها وبنيتها الأساسية للمستقبل‏,‏ وتبني الآن بالروح نفسها بنيتها السياسية وحرية شعبها بعقلية حكيمة‏,‏ وعزيمة صلبة لا تلين‏.‏إذا نظرنا حولنا وفي داخلنا‏,‏ وعبر تاريخنا‏,‏ لاكتشفنا رعاية الله لنا فيك لتبني مصر‏,‏ وتصنع تطورها وتقودها لتجتاز الصعاب‏,‏ وتلحق بعصرها‏.‏إن بناءك لمصر يتجاوز البناء المادي‏,‏ برغم أهميته لنا جميعا‏..‏ وكلنا نستمده ونتذكره ونتذكر كيف كنا قبلك‏,‏ وكيف أصبحنا الآن معك‏,‏ في كل مجال من مجالات حياتنا‏,‏ وفي مستوي معيشتنا‏.‏أعدت البناء‏,‏ بعد أن خربت الحروب وطننا‏,‏ وهيأت لنا بالاستقرار والسلام وطنا لكل المصريين‏.‏وإذا كان لنا حق في أن نتذكر تلك الحقائق في هذا اليوم المجيد‏,‏ فإن الأهم أنك الآن تحمي البناء المادي‏,‏ والبناء السياسي‏,‏ بإقامة بنية أساسية لنظام سياسي جديد‏,‏ يعطي المصريين كامل حقوقهم في اختيار وانتخاب رئيسهم‏,‏ بانتخاب حر ومباشر من كل أبناء الوطن‏,‏ وفي ظل سياج من العقل والحكمة يحميه من الانزلاق إلي الفوضي والاضطراب‏,‏ التي تسود إقليمنا‏,‏ وتحاول أن تدفعنا إليه حماقات القوي الكبري‏,‏ في حروب عبثية لا طائل من ورائها‏.‏اليوم ونحن ندخل معك عاما جديدا‏,‏ نشعر بأن الأقدار نفسها التي أحاطتنا‏,‏ مازالت تحيطنا وترعانا‏,‏ وتمهد الأرض لمسيرتنا‏,‏ لأننا معك وبك نشعر بالاستقرار والأمان‏,‏ وبالقدرة علي اجتياز الصعاب إلي بر الأمان‏.‏قيادتك هي هدية الأقدار لمصر المحفوظة بعناية الله‏.‏
posted by مفيش فايدة at 4:37 AM 0 comments

Sunday, October 14, 2007

لا

لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا
posted by مفيش فايدة at 5:09 AM 0 comments

جربت

جربت

جربت تسكر من كاس الحقيقة

جربت تغرق في بحر الدقيقة

جربت تفكر

انك تغير افكارك البريئة

جربت

جربت تموت من العيشة

جربت تشيل الفيشة

جربت تعلي صوتك

وتسمعه للناس حتي في سكوتك

جربت

جربت تبطل تمثيل

انك عايش دور الضحية

ودايما تكون القتيل

مع انك في مسرحية

فيها القاتل دمه يسيل

جربت

جربت تحارب احلامك

جربت تقصف اقلامك

جربت تسكت انغامك

جربت تخاف من ايامك

جربت

جربت تتحكم في الكون

تخلي السحابة تعيط امطارها

وتخلي النجمة تتطفي انوارها

وتخلي الارض تقولك اسرارها

حتقول عليا مجنون

لو من الشمس قربت

لو حصل حيحصل ايه؟

حتبقي اتحرقت ولا اتكهربت

ما انت كدة كدة ميت

بس اديك قبل ما تموت

جربت
posted by مفيش فايدة at 4:33 AM 0 comments

الرئيس لا يخلف الوعد

في اليوم نفسه الذي قررت فيه غالبية الصحف الخاصة والمعارضة الاحتجاب عن الصدور أمس الأول «الأحد».. قرر صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري ورئيس المجلس الأعلي للصحافة أن يدلي بتصريحات إلي الزميل عبدالله حسن، رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط.. لكي تنشر الصحف القومية في اليوم نفسه.. كرد علي رسالة الاحتجاب.. فلم يضع الشريف نفسه كطرف محايد في الأزمة الحالية بين الصحفيين وبين الدولة.. بل أعلن انحيازه إلي جانب الحكومة والحزب الوطني.


والرسالة التي أراد الشريف توصيلها هي أن حرية الصحافة مصونة.. وأنه لا تراجع عنها.. وأنها تعد ركناً أساسياً من أركان النظام الديمقراطي، وصمام أمن يحمي مسيرة الوطن.. إلي آخر هذه الأكلشيهات المعروفة.. والتي تقال في مثل هذه المناسبات.


وبالتالي.. لماذا أنتم محتجبون، وعلي أي شيء احتجبتم؟ ولماذا المأتم وسرادق العزاء الذي تنصبونه؟


ولم ينس صفوت الشريف أن تتصدر تصريحاته.. الأكلشيه الدائم وهو أن الرئيس حسني مبارك يقف دائماً إلي جانب حرية الصحافة.. إلي أن قال: «وقد أوفي الرئيس مبارك بالوعد الذي قطعه بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر التي تمس التعبير عن الرأي وحق النقد».


بالذمة.. ده كلام! هل قام الرئيس مبارك بتنفيذ وعده، وإذا كان قد نفذه.. فمتي حدث ذلك؟ هل نفذه من وراء الصحفيين والرأي العام؟ هل ألغيت بالفعل المواد ١٨٨ و٢٠٣ و٢٠٣ مكرر وغيرها من المواد في قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس في قضايا النشر؟.


وإذا كان الوعد الرئاسي قد نفذ.. فلماذا صدرت الأحكام بحبس سبعة من الزملاء الصحفيين.. بينهم خمسة رؤساء تحرير؟ إلا إذا كان رئيس مجلس الشوري يعتبر أن الأحكام التي صدرت بحبس الصحفيين ليست لها علاقة بعملهم الصحفي.. ولا بحرية الرأي والتعبير، وإنما هم متهمون في قضايا نصب واحتيال ودعارة وسرقة؟


فالزميل إبراهيم عيسي متهم في قضية نشل.. وليس انتقاد رموز الحزب الوطني.. والزميل عادل حمودة متهم في قضية سرقة مال عام وليس الهجوم علي حكومة الدكتور نظيف.. والزميل وائل الإبراشي متهم في قضية سرقة غسيل وليس في انتقاد انتهاكات وزارة الدااخلية.. والزميل عبدالحليم قنديل متهم في قضية نفقة.. والزميل أنور الهواري في قضية شهادة زور!


ورئيس مجلس الشوري «معه حق ورجل صادق ولا ينطق عن الهوي».. فإذا كان الزملاء متهمين في قضايا نصب وسرقة ونفقة وشهادة زور.. فلماذا يدعون أنها تتعلق بقضية حرية الرأي التعبير؟ ولماذا يورطون الجماعة الصحفية معهم ويخدعون الرأي العام والهيئات الدولية التي تورطت في إصدار عشرات البيانات بالتعاطف مع قضاياهم؟


هل يكشف لنا رئيس المجلس الأعلي للصحافة، في تصريحات جديدة له، عن الأحراز التي ضبطت في قضايا الزملاء.. لتكون مفاجأة للرأي العام.. فهي ليست مقالات كتبوها، كما ورد في الحكم القضائي ضد رموز الحزب الوطني.. إنما هي مفك ومطواة قرن غزال وشوم وسنج؟


القضية كلها يا سادة- كما يفهم من كلام صفوت الشريف- ملفقة ومفبركة.. فالرئيس قد وعد.. والرئيس قد نفذ وعده.. ودقي يا مزيكة الشريف؟!







.
posted by مفيش فايدة at 4:10 AM 0 comments

حرية مبارك

** في تصريحات صحفية للزميل مصطفي بكري، رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع»، قال الرئيس حسني مبارك إن إيمانه بحرية الصحافة لا يتزعزع وإنه لا عودة للمصادرات وكبت الحريات.


هذا كلام جميل، نشكر الرئيس مبارك عليه.. لكن ماذا سيادة الرئيس عن الحكم، الذي صدر بحبس أربعة رؤساء تحرير مرة واحدة، هل هذا يتفق وإيمانك بحرية الصحافة؟ وهل المواد في قانون العقوبات، التي استندت إليها المحكمة، هي استمرار لسياسة المصادرات وكبت الحريات؟


هل تقول لنا سيادة الرئيس.. ما هو مفهومك للمصادرة وكبت الحريات؟ هل كبت الحريات شيء مختلف عن حبس الصحفيين؟ أم أن حبس الصحفيين في قضايا رأي وحرية التعبير هو عمل إجرامي يجب أن يعاقبوا عليه إذا مس رموز الحزب الوطني؟


إننا نتمسك بكلام الرئيس.. لكننا نطلب منه أن يحوله إلي واقع.. بإزالة المواد في قانون العقوبات التي تحبس أي مواطن، وليس صحفيا فقط، في قضايا النشر.. لقد وعدت منذ عدة سنوات بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، ثم تبين للجميع أن عقوبة الحبس لاتزال سيفاً مصلتا علي رقاب الصحفيين والمواطنين.


لا يكفي أن يعلن الرئيس مبارك أنه مع حرية الصحافة، وأن إيمانه بها لا يتزعزع.. لأن الإيمان الحقيقي بحرية الصحافة هو في إزالة المواد السالبة للحريات في قانون العقوبات.
مش كده وللا إيه!.. وللا هو كلام وخلاص..


** جاء في حيثيات الحكم بحبس الزملاء رؤساء تحرير ٤ صحف خاصة، أن المحامي الذي قام برفع الدعوي القضائية ضدهم، توافرت له الصفة القانونية.. وأن من حقه المباشر رفع الدعوي نيابة عن رئيس الحزب الوطني.


أولا: للضرر الذي لحق به، بصفته عضواً في الحزب الوطني، إذ إن الاعتداء علي رموز الحزب، بداية من رئيس الحزب إلي جمال مبارك، إلي أحمد نظيف، إلي زكريا عزمي.. قد قلل من شأن الحزب ومكانته وقدرته في نظر أفراد المجتمع والأحزاب الأخري.. كما قلل من شأن أعضاء الحزب.


ثانيا: قيام رئيس الحزب الوطني، الرئيس حسني مبارك، بتوكيل الدكتور أنور أحمد رسلان بتمثيله في كل ما يتعلق بشؤون الحزب أمام القضاء، بموجب التوكيل رقم ٤٩١ لسنة ٢٠٠٤ مصر الجديدة.. وأن الأخير «الدكتور رسلان» أناب وفوض عنه كل محام عضوا في الحزب الوطني.. في تمثيله في كل ما يتعلق بشؤون الحزب أمام القضاء.


وبموجب هذه الصفة أو هذه التخريجة التي يصعب بلعها وهضمها.. قام أحد المحامين برفع الدعوي القضائية ضد الزملاء عادل حمودة ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسي وعبدالحليم قنديل.. نيابة عن الرئيس حسني مبارك.


وبافتراض صحة هذا الاستنتاج ـ وهو خاطئ وغير مقبول ـ علي الرئيس مبارك.. فهل قام الدكتور نظيف وجمال مبارك والدكتور زكريا عزمي، وبقية رموز الحزب الوطني، بإعداد توكيلات لهذا المحامي؟


والسؤال جوهري.. لأن الإجابة الصحيحة عنه من المؤكد أنها ستسقط الحكم الصادر بحق الزملاء أمام القضاء.. فما الصفة التي قام بها المحامي برفع الدعوي نيابة عن رموز الحزب الوطني؟


سؤال آخر لا يقل عنه أهمية: إذا كان من حق أي محام في الحزب الوطني أن يقيم دعوي قضائية ضد أي صحفي أو ضد أي مواطن ويطالب بحبسه، لأنه أساء إلي رموز الحزب الوطني.. فهل من حق كل مواطن مصري أن يقيم دعوي قضائية ضد رموز الحزب الوطني، ويطالب بحبسهم جميعا.. لأنهم أساءوا إليه، فلم يوفروا له فرصة العمل، ولا الحد الأدني من الحياة الكريمة، بالرغم من أنه حزب الأغلبية الذي حكم البلاد طيلة ثلاثة عقود.. ولأنهم وافقوا علي استمرار العمل بقانون الطوارئ وهل في هذه الحالة من المتوقع أن يصدر الحكم بحبسهم جميعا؟
مجرد سؤال.
posted by مفيش فايدة at 4:04 AM 0 comments

اعدام الفئة الضالة

أعلم أن لله في كل أمر حكمة.. لذا فلم أستغرب صدور حكم قضائي في أول أيام رمضان بحبس ٤ رؤساء تحرير، بتهمة إهانة رموز الحزب الوطني.. فالثابت أن لهذا الحزب بركات وكرامات.. كما أن الله ينصر دائماً المؤمنين من عباده.. والحزب الوطني علي رأس هؤلاء المؤمنين.. لذلك قيض رب العرش العظيم لهذا الحزب المؤمن قاضياً مؤمناً وعادلاً، اقتص له من الفئة الضالة: عادل حمودة، وائل الإبراشي، عبدالحليم قنديل، وإبراهيم عيسي.
يستحق هؤلاء الصحفيون هذا الحكم القضائي، رغم الرأفة والرحمة التي شملتهم بها المحكمة.. إذ كان لزاماً علي القاضي أن يحمي الأرض من الفساد والإفساد، وأن يقطع دابر الذين كفروا بالحزب الوطني ورموزه.. ولكن الرجل كان رحيماً بالصحفيين إلي حد التفريط، وجائراً علي الحزب الحاكم إلي درجة العداء.. ولكنه وضع دستوراً جديداً للصحافة ونظام الحكم في خطبة سياسية بليغة، مفادها «لا أحد منكم أيها الضالون يعرف قيمة الحزب الوطني ودوره في البلد، ومكانته وتضحياته من أجلكم».
أنا يا سيادة القاضي أعرف قيمة وتضحيات الحزب الوطني الديمقراطي الموقر والمحترم.. أنا بريء مما اقترفه عادل حمودة ورفاقه من الفئة الضالة.. الشرذمة المتآمرة.. وعناصر الخيانة والعمالة، التي تهدف إلي تكدير الأمن العام والخاص، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني والمنتخب الوطني.. وتهديد السلام الاجتماعي والفلسفي.. أنا مع الشرعية والصحف القومية التي تعرف - وحدها - مصلحة البلد.. وطبعاً لا مصلحة إلا مع الحزب الوطني.. وأي «محظورة - محصورة - محفورة»، هنخرب بيتها.. وأي صحافة لا تسجد للحزب الوطني تبقي بتاعة «المحظورة».. وأي صحافة لا تعمل مع الأمن تبقي بتمويل من «المحصورة»!
بصراحة.. زودها عادل حمودة ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسي وعبدالحليم قنديل.. كان لازم تقطع المحكمة أيديهم من خلاف.. وكمان فين «الخوازيق».. اختفت فجأة من مصر.. شخصياً أقترح أن يوضع الأربعة علي «خوازيق» في ميدان التحرير.. وأرجو من رجال الحزب الوطني مراعاة المقاسات.. إذ إن تكنولوجيا الخوازيق تحتاج إلي لياقة في الاستخدام، لاسيما إذا كانت «الخوزقة» لمجرمي الصحافة المستقلة.. وكمان فين كلاب «صلاح نصر» المدربة علي حاجات جميلة.. أعتقد أن إهانة رموز الحزب الوطني جريمة لا تغسلها ولا تمحوها إلا هذه الكلاب.. وبعدها خلي راجل من بتوع الصحافة المستقلة، يكتب كلمة واحدة ضد الوحدة المحلية في «مطوبس» مش الحزب الوطني.
إنتم فين من الحزب الوطني يا سفلة.. تعرفوا إيه عن الحزب الوطني.. هوه أنا عندي غير الحزب الوطني.. هوه أنا خلفت غير الحزب الوطني.. يا ريت العالم كله يكون حزب وطني.. «تتشل إيدك» يا عادل يا حمودة.. إزاي تهاجم «صحابة جمال مبارك».. ألا تعرف أن من يهاجم أحمد عز وعلي الدين هلال مصيره جهنم وبئس المصير.. قطع لسانك يا وائل يا إبراشي.. ألا تعلم أن جمال مبارك ضحي بحياته وشبابه من أجل مصر.. وأن أحمد عز ترك ماله وتجارته ليخدم البلد، فأصبح علي «الحديدة»، وأن علي الدين هلال ودع العلم والطلبة والبحث العلمي من أجل انتخابات القواعد والقوائم والجوانب في الحزب الوطني.
بصراحة.. سوف أغامر لأول مرة في حياتي، وأعلق علي حكم قضائي، رغم علمي بأن ذلك قد يعرضني لعقوبة قانونية.. ولكن كلمة الحق أبت أن تظل حبيسة بداخلي: إن القاضي الذي أصدر الحكم بحبس رؤساء التحرير الأربعة سنة واحدة، أفرط في استخدام الرأفة، وما كان له أن يفعل ذلك، لأن العقوبة ليست رادعة لصحافة الشر والخبث والخيانة.. لذا أدعو النظام الحاكم لإعدام الفئة الضالة في الصحف المستقلة، حتي يتمكن الحزب الوطني من مواصلة مشواره في بناء مصر الحديثة.
posted by مفيش فايدة at 4:00 AM 0 comments

بلا سبب

كان قلقا ..... خائفا ..... مرعوبا من غضب ابيه عليه فقد اضاع صندوق مسح الاحذية

الذي كان يعمل عليه طول النهار فنام قليلا علي الرصيف فيصحو ليجد صندوق مسح

الاحذية الخاص به ليس بجواره بحث عنه في كل مكان دون جدوي ... ما العمل؟

سيضربه ابيه ضربا مبرحا وقد يطرده .......انه رضا ابن التسعة اعوام

وبرغم صغر سنه فقد عمل كل الاعمال التي يمكنه القيام بها عمل صبي حلاق

وصبي ميكانيكي وخادم في البيوت وسرح بمناديل واخيرا ماسح احذية

ولديه سبع اخوة ووالده ووالدته يعيشون جميعا في عشة صفيح عبارة عن حجرة واحدة تضم

حمام ومطبخ وحجرة نوم ومعيشة

كان رضا لديه بثرة كبيرة ومخيفة ومقززة في وجهه وكانت سببا في عدم استمراره في اي

عمل نتيجة نفور الناس منه وتقززهم من منظره هذا بالطبع بالاضافة الي رائحته النتنة

رائحة جسده الذي لم يستحم منذ ولد الا في المجاري ورائحة ملابسه التي لم يشتريها له

والده وانما وجدها في مقلب للزبالة وبالطبع لم تغسل بعد ذلك

وكان ابوه واخوته دائمي السب له وضربه بأعنف الطرق وأشدها وبالطبع في مثل هذه البيئة

السباب والضرب والعراك شيء عادي ولكن مع رضا كان الموضوع يأخذ منحي مختلف

قليلا انها الاهانة والاستخفاف لضعفه وصغره وقبح منظره حتي اطلقوا عليه لقب حمار

فأينما ذهب واتي ذهب الحمار واتي الحمار

وكان في ذلك لا فرق بين والده او والدته او اخوته او حتي من يعرفهم في منطقته

فهذا القب ملتصق به وهو راضي ولا يملك غير بلع لسانه ومعه بلع الاهانات المتكررة

كان رضا احيانا لا يقبل بذلك ويحاول التمرد علي احواله فيقابل بأشد العقاب وأشد القهر

لهذا فكان رضا يعلم وهو في طريقه الي حيث يسكن واثقا مما سيستقبله من سيل من الضرب

والسباب والاهانة ومستعدا لهذا ولكنه عندما وصل الي حيث يسكن وجد ما ليس علي بال

او خاطر وتمني ان تبتلعه الارض وجد العشش الصفيح كلها في المنطقة قد هدمت وبعين

الملهوف وجد والدته واقفة وحدها فجري نحوها واخذته في حضنها واخبرته ان البوليس

قبض علي ابوه واخوته جميعا وعندما سألها عن السبب قالت وهي تغالب دموعها لا سبب

اخذهم البوليس هكذا كانت مشاعر رضا في هذه اللحظة متناقضة فهو بالتأكيد

حزين علي والده واخوته ولانه بلا مأوي الان وكنه مع ذلك شعر شعور غريب بالسعادة

والشماتة في من كانوا يهينونه ليل نهار بلا سبب وها هم اولاء قبض عليهم البوليس بلا سبب

ليذوقوا مرارة الظلم والقهر الذي عاني منهما طوال حياته

مشي ملتصقا بوالدته اخر حائط يستند اليه في حياته

عاشوا بعض الايام علي الرصيف وكانت والدته تتركه وتأتي له بالطعام وعندما يسألها من

اين تقول له انه رزق الله حتي جاء يوم واخبرته انها ستعمل خادمة في فيلا وانه سوف ينتقل

معها للعيش هناك

كان صاحب الفيلا رجلا في الاربعين من عمره اسمه رمزي زوجته متوفية ولديه بنت في

مثل عمر رضا تقريبا اسمها نور وكان اسمها علي مسمي فهي كالبدر وواضح عليها

علامات العز والرفاهية وكان هو ووالدته يسكنون في حجرة في الدور الارضي للفيلا

ذات الدورين ملحقة بالمطبخ وكان رضا يحاول ان يكلم نور او يصادقها ولكنها كانت تخاف

منه لسوء منظره ولا حظ في اكثر من مرة مدي تقززها من النظر لوجهه

وكان رضا حزين لذلك فالي متي سيظل حبيس شكله وتلك البثرة اللعينة

كان اصدقاء نور يأتون احيانا لفيلتها ليلعبوا معها وكان يراهم بعين الحاقد انه لم يعش

طفولته ولم يلعب ولم يتعلم انه لا فرق بينه وبين الحمار اللقب الذي كان ابوه يطلقه عليه

انه يعمل منذ ولد لقد ولد ليهان ولد ليكون خادم لمن هم اقوي منه او اغني منه

فهو ضعيف وصغير وفقير وحقير لا يهتم به احد حتي والدته صارت تتجاهله وقد شك اكثر

من مرة انها تقيم علاقة مع رمزي حتي جاء يوم استيقظ فيه باكرا وتسلل خارجا وجدها

خارجة من غرفة نومه بقميص النوم فاصطنع النوم حتي لا تعرف انه راها

واندهش انه لم يصدم او يحزن فلا شيء يهم فهو لا انتماء له ولا حتي لامه

في احدي المرات راه اصدقاء نور ولاحظ انهم يسخرون منه فتضايق من ذلك بشدة

وقرر مواجتهم فلا شيء يهم ثبت نظره اليهم مباشرة متحفزا فخافوا منه عدا ولد

قال ساخرا ابعد يا شيطان ابعد يا شيطان وضحك الجميع

فواجهه رضا واعطاه لكمة قاسية في وجهه ضربه بكل غيظ الدنيا لقد فرغ ذل حياته

في هذا الولد فصاحت نور واصدقائها حتي حضر والدها رمزي متسائلا

فلما عرف ما حدث مسك رضا من رقبته صائحا فيه ازاي تتجريء وتعمل كده يا حمار؟

فرد رضا بثبات ان مش حمار ... مش حمار ... مش حمار اخذ يرددها بلا وعي

وكأنه بهذه الكلمة التي ذكرته بكل اهاناته السابقة وقعت علي الجرح

فضربه علي قفاه بشدة فصرخ متضربنيش واخذ رمزي يضربه بقسوة

حتي خارت قواه وسقط مغشيا عليه واستيقظ ليجد نفسه علي سريره وامه امامه حائرة

وصرخ فيها كيف تترك هذا الرجل يضربه فسكتت ولم ترد

وعندما اخبرها انه راها خارجة من غرفة نومه اخبرته هي بما ذهله حقا

انها متزوجة من رمزي عرفيا وهو في ذهوله دخل رمزي صائحا في امه بصي يا بنت

الناس يا تعيشي هنا لوحدك يا تغوري مع ابنك بنتي عايزاه يمشي وانا معنديش اغلي منها

وكانت الام نظراتها حائرة وزائغة بين رمزي ورضا ولم تنطق

هذه الليلة خرج رضا الي الشارع ولن يعود منه انضم الي ملايين من اطفال الشوارع

ليتخرج منه مجرما وارهابيا كارها للناس والمجتمع ويدخل السجن وقد يخرج منه

ليدخله مرة اخري ويزداد كرهه لكل شيء وللدنيا الغير عادلة

ويموت ويخرج من حياته التي عاشها بلا سبب
posted by مفيش فايدة at 2:54 AM 0 comments

Thursday, October 11, 2007

اسامة السرايا حتفتح قريب

تعرضت الحريه التي تنامت في مصر هذا الاسبوع لموجه من التشويش والافتراء‏,‏ وخضعت الجهود المصريه المستمره لدعم مسيرتها وتسديد ما اصابها من اخطاء لكثير من الجدل والنقاش في مناخ يتسم في جانب منه بالتربص وسوء القصد وقصر النظر وانكار المصالح الوطنيه العليا لهذا البلد الامن في منطقه هي اليوم اشد بقاع الارض اضطرابا واختلالا‏.‏

ففي الداخل اثار حكم المحكمه الابتدائيه ضد اربعه من روساء تحرير الصحف الخاصه كثيرا من الجدل والنقاش حول واقع حريه الصحافه في مصر ومستقبلها‏.‏ وكشف الحوار الساخن حولها مشكلات كثيره ان الاوان لوضع نهايه لها حمايه لحريه الصحافه وتدعيما لمسيرتها التي لم تتوقف‏.‏ ومن الخارج جاءنا ما يسمي بتقرير الحريات الدينيه الدوليه عن مكتب الحريات الدينيه الذي انشاه الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون عام‏1998‏ والذي اصدر حتي الان تسعه تقارير‏.‏ وفي التقرير التاسع منها حظيت مصر وحرياتها الدينيه باحدي عشره صفحه وانتهي التقرير بالدعوه الي ربط المساعدات الامريكيه لمصر بمدي ما تحرزه من تقدم فيما اسموه ملف الحريات الدينيه وما نسميه نحن في مصر ملف الفوضي الدينيه‏.‏

ويبدو ان قضيه الحريه في مصر اصبحت محور اهتمام كثير من الدوائر الخارجيه بشكل لافت للنظر ومثير للشكوك‏.‏ فالتقارير الدوليه التي تتحدث عن الحريه باشكالها المختلفه تتنكر عن قصد لما حققته مصر في العقدين الماضيين من تطور حقيقي وملموس في جميع القضايا المرتبطه بالحريه‏,‏ وخاصه حريه الصحافه‏.‏ وليس لدي من تفسير لذلك سوي حاله التربص التي تسيطر علي كثير من تلك القوي الخارجيه ومن تستطيع استخدامهم في الداخل لتصبح حريه الصحافه حصان طرواده لترويض القوه المصريه اقليميا لخدمه اغراض واهداف معروفه جيدا للجميع ومرفوضه منهم ايضا‏.‏ فما تحقق في مصر من تطور علي كل مستويات الحريه خلال العقدين الماضيين لايقارن بحديث التقارير الدوليه عن الحريه في مصر‏.‏

فعلي الصعيد الداخلي اثار الحكم الصادر ضد روساء التحرير الاربعه حوارا مفتعلا حول حريه الصحافه‏,‏ وذهب البعض الي اعتبار هذا الحكم النهايه القاصمه للحريه بينما راه البعض الاخر بدايه لتصحيح مسيره وتقويم سلوكيات معيبه استقرت زمنا‏,‏ وظن كثيرون انها هي الحريه في عالم الصحافه حتي ان تلك السلوكيات المعيبه قد اوشكت ان تصبح معايير مهنيه لبعض الصحفيين‏.‏ وينبغي علي الذين يتباكون اليوم علي تلك الحريه السليبه ان يراجعوا وبقدر ضئيل من الانصاف ما اقترفته بعض الاقلام في حق هذا الوطن طوال السنوات الماضيه‏,‏ وان يراجعوا ايضا كتابات اخري حذرت كثيرا من سوء عاقبه هذا الفهم لحريه الصحافه‏.‏ ولان الاقلام الاولي كانت اكثر اثاره وسخونه واستثمارا لبعض ما نعانيه من مشكلات فقد حظيت من الكثيرين بالاهتمام في الوقت الذي تواري فيه صوت التحذير حتي تدخل القضاء لتصحيح مسيره كان لابد من تصحيحها حفاظا علي وحده المجتمع وقدرته علي مواجهه مشكلاته الكبري‏.‏

لقد حذرت مرارا من الياس الذي تزرعه بعض الصحف في عقول اجيالنا الجديده‏,‏ ومن الاحباط الذي غرسته عمدا في نفوس كان جديرا بها ان تملاها املا في غد افضل‏,‏ وان تاخذ بايديهم جميعا الي واقع يتغير بكل المقاييس الي الافضل‏.‏ فالحريه التي نعمل في ظلالها اليوم هي حريه الصحافه‏..‏ تلك الموسسه الحيويه والضروريه لامن المجتمع واستقراره وليست حريه الصحفيين وحدهم‏.‏ وتاريخ حريه الصحافه ليس من صنع الصحفيين دون غيرهم‏,‏ وانما هو تاريخ صنعه كتاب ومفكرون وفلاسفه وعلماء وقاده راي حفاظا علي قدره هذه الموسسه علي اداء وظائفها في خدمه المجتمع بكافه طوائفه وطبقاته‏.‏ واذا ما اساء البعض استخدام الحريه التي يحميها المجتمع فمن حق الجميع ان يحاسبوهم علي اساءتهم‏.‏

.........................................................................‏
ومن اشد ما تحتاجه الصحافه المصريه في الوقت الراهن الصراحه والمكاشفه لتحمي حريتها وتحافظ علي تاريخها المشرف‏.‏ فهي تعاني اليوم مشكلات افرزت وسوف تفرز الكثير من الازمات اذا بقيت علي ماهي عليه دون حلول‏..‏ والحقيقه ان الصحافه في مصر لا تعاني قيودا من اي نوع‏.‏ كما ان حكم القضاء الاخير لايشكل اي قيد عليها‏,‏ وسوف تظل وعود الرئيس مبارك للصحافه قائمه برغم كل ما تعرض له هو واسرته من تجاوزات صحفيه اثارت استهجان الراي العام في الداخل والخارج‏,‏ خاصه ان الرئيس مبارك هو اكثر حكام مصر انتصارا لحريه الصحافه ودفاعا عنها في مواجهه المتربصين بها‏.‏

ان مشكلات الصحافه المصريه تاتي من داخلها ومن بين العاملين فيها ومن سوق الصحافه التي اصبحت عاجزه عن استيعاب هذا العدد الكبير من الصحف فاشتدت المنافسه بينها علي عدد من القراء يتاكل بفعل التطورات المتلاحقه التي اصابت المجتمع المعاصر بحاله من التخمه الاعلاميه‏,‏ ومثلما حدث في سوق الفضائيات اصبح التنافس قويا بين الصحف علي اجتذاب القراء واصبحت وسائل جذب الجمهور مقدمه كثيرا علي احترام مهنه الصحافه‏,‏ وتكريس دورها والالتزام باخلاقياتها وباصولها المهنيه‏.‏ ففقدت الموضوعيه والتدقيق والنزاهه والمعلومات التي تثري ضمير الامه وترفع مستويات الوعي بين افرادها‏,‏ وفي ظل هذا المناخ تدهورت المهنيه الي ابعد حدودها وهي عنصر اساسي ولازم للصحافه في اداء دورها‏.‏وتراجعت كذلك اخلاقيات الصحافه واصبحت حريتها لدي البعض تعني حريه شخصيه لهم يستخدمونها ضد من شاءوا‏,‏ وفي سبيل المصالح التي يريدونها دون اكتراث بحق القراء بالدور المنتظر من هذه الصحف‏.‏ واعتقد ان الصحفيين هم اكثر وعيا بهذه النوعيه من المشكلات‏.‏

ولان مشكلات الصحافه الاساسيه تاتي من داخلها‏,‏ فان الصحفيين مسئولون عن الحوار والنقاش ووضع الحلول المناسبه لها والا فان تحرك المجتمع يصبح ضروره حفاظا علي حق الراي العام الضائع في الجدل الراهن حول مسئوليه الصحافه والحكومه في القضيه الاخيره‏.‏ وعلينا ان نعترف بصراحه ان اخطاء كثيره قد ارتكبت وانها اضرت كثيرا بالمجتمع ولابد من وقفه هذه المره من الصحفيين انفسهم قبل اصحاب الحق الذين تم تجاهلهم في العلاقه بين الصحافه والحكومه‏.‏

ان حريه الصحافه في مصر مازالت هي الابرز بين دول المنطقه وسوف تستمر صحافتنا في اداء دورها في دعم مسيره الديمقراطيه‏..‏ اما عن الحكم الذي صدرضد روساء التحرير الاربعه فمازال منظورا في مستوي اعلي من مستويات التقاضي‏,‏ وعلينا جميعا احترام احكام القضاء الحارس علي مصالح المجتمع‏.‏

هجمه الحريات الدينيه واخطاوها‏!‏
اما الهجمه الاخري علي الحريه في مصر فقد كانت حلقه في مسلسل تقرير الحريات الدينيه الذي يصدر عن وزاره الخارجيه الامريكيه‏,‏ والتي نصبت نفسها دون غيرها من المنظمات الدوليه حارسا ورقيبا علي حريات المتدينين في العالم لتعيد الي ذاكره التاريخ ممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطي‏.‏ وهذا التقرير يمثل اصرارا علي الجهل بثقافه المنطقه وموقع الاديان فيها‏,‏ ويعطي برهانا اخر علي غياب الفهم الامريكي لابجديات الحياه في الشرق الاوسط‏,‏ وتفسيرا للفشل الذريع لهم في العراق‏.‏

فالتقرير ينكر علي مصر عدم الاشاره الي الديانه البهائيه في بطاقات الهويه‏,‏ ويتهم الحكومه بعدم التصدي لمواجهه تاثير الجماعات الاسلاميه‏,‏ ويستنكر فرض قيود علي اي هبات او تبرعات ترد للموسسات الدينيه وادان محاكمه الذين يقومون بازدراء الاديان والسخريه منها والنيل من الانبياء وطالب مصر بانزال العقوبه بكل من يعادي الساميه سواء بالقول او النشر‏.‏

هذه بعض مطالب تقرير الحريات الدينيه في مصر‏.‏ ولو ان عقلا اراد لمصر ان تقع اسيره للفوضي والاضطراب ماوجد افضل من تلك التوصيات التي تفتقت عنها عبقريه واضعي هذا التقرير‏.‏

والحقيقه انه تقرير لايستحق القراءه‏,‏ ولكن الامبراطوريه الاعلاميه الامريكيه قادره علي نشر هذه التخريفات في انحاء العالم باعتبارها حقائق بل انها ترغب في ان تصبح تلك الافتراءات ورقه من اوراق الضغط السياسي علي مصر‏.‏ ففي عام‏2005‏ اشاد التقرير السابع بالتطور الذي طرا علي الحريات الدينيه‏,‏ ثم جاء التقرير التاسع هذا ليبدي القلق علي هذه الحريات‏!‏ فما الذي تغير خلال هذين العامين بشان اوضاع الحريات الدينيه في مصر؟‏..‏ الحقيقه ان الذي تغير هو السياسه الامريكيه تجاه مصر وعلينا جميعا ان ندرك ذلك‏.‏

فالتقارير الدوليه الخاضعه للسياسه الامريكيه والتي تصدر عن موسسات تدعي انها مستقله وغير هادفه للربح لاتصدر من اجل الحريه ولا من اجل الاديان وانما تصدر لخدمه السياسه الامريكيه في المحيط الاقليمي لمصر‏.‏ وهي تستخدم لممارسه الضغط والابتزاز وتقويض استقلاليه القرار المصري الرافض للتورط في العمليات العسكريه الامريكيه في العراق‏,‏ والانسياق وراء رغبات بعض المتطرفين في الاداره الامريكيه فيما لو قرروا الحرب علي ايران‏.‏ ومثل هذه التقارير واهدافها اصبحت معروفه للجميع ولم تعد تحظي باي مصداقيه‏,‏ بل انها تنال من مصداقيه الولايات المتحده ومكانتها في العالم‏,‏ وقوضت نجاحا هائلا كانت قد حققته بانتصارها التاريخي السلمي علي الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي‏,‏ فالاداره الامريكيه الحاليه مصابه بعناد يمنعها من مراجعه اخطائها القاتله وبحصانه تبعد عنها استيعاب الدروس من تلك الاخطاء‏!!.‏

ولن يدفعنا هذا التقرير الي الحديث عما انجزناه في مجال الحريات الدينيه والمدنيه خلال العقدين الماضيين‏,‏ والتي من ابرزها ما تبنته التعديلات الدستوريه الاخيره التي كرست مبدا المواطنه والمساواه بين جميع المصريين بلا دين او جنس‏..‏ بالنص عليه صراحه في الماده الاولي‏..‏ ويبدو ان معدي التقرير لايعرفون ان المواطنه هي حجر الاساس للحريات الدينيه‏.‏



لن يسعدنا كثيرا ان تعترف الخارجيه الامريكيه بذلك ولن يحزننا ان تنكره‏.‏ فنحن ادري واعلم بما نعمل من اجله‏,‏ وسوف يظل قرار مصر مرهونا بمصالح هذا الشعب وغاياته‏.‏ ولن يكون هذا التقرير هو الاخير في مسلسل التقارير الامريكيه او الخارجيه التي تصدر دوليا لتمهيد الارض امام اهداف لاتخدم مصالحنا‏,‏ ونحن ادري بها وندرك غايتها‏.‏ وربما ان الاوان لان تعترف الاداره الامريكيه بفشل تلك التقارير في تحقيق اي من اهدافها‏,‏ خاصه في منطقه اثبت الامريكيون مرارا انهم اقل معرفه بها بالرغم من اهتمامهم الشديد بشئونها‏!.‏

ان هذا التقرير الدولي لا يعتمد علي معلومات دقيقه ولا يوجهه منهج صائب‏,‏ حيث يقع في تناقضات من عام الي اخر وهو فريسه لسوء القصد والفهم معا‏.‏

وهذا ما ينبغي ان نقوله ليس للامريكيين وحدهم ولكن ايضا للمصريين الذين قد يقعون فريسه لمثل هذه التحليلات‏.‏ فهذه التقارير لاتصدر لوجه الله ولا للاديان التي نحن بها احرص واعرف لان بلادنا موطن الاديان وتحترم كل مواطنيها‏.‏ وانما تصدر لخدمه الدوله صانعه الحروب والفوضي في عالمنا مع شركائها‏,‏ والهدف هو الضغط علينا وابتزازنا لكي نتورط في صراعات وحروب لا طائل من ورائها‏.‏

.........................................................................‏
فوضع الحريات الدينيه في مصر في تحسن مستمر‏..‏ بل هو الافضل في منطقتنا بلا منازع والدليل علي ذلك ان كل الاراء في هذا المجال تناقش علنيه في مصر الان‏,‏ وتطرح للحوار وعلي سبيل المثال ذلك الراي المطالب بشطب خانه الدين في بطاقه الهويه وقد توصل الجميع مسلمون ومسيحيون‏,‏ الي التمسك بذكر الدين‏,‏ والي ان هذه المساله تتصل بثقافه مجتمع وليست بالحريات كما يزعم التقرير الامريكي‏.‏

كذلك هناك انفتاح متزايد في الحريات العامه والفرديه في المجتمع المصري‏,‏ ولكن بمعدلات متفاوته من مجال الي اخر‏.‏

وقد يكون التقدم في مجال الحريات الدينيه اقل سرعه من مجالات اخري لاسباب تتعلق بثقافه المجتمع وليس بسياسه الدوله التي يجب عليها ان تحترم ثقافه شعبها‏.‏

وعلينا ان نكشف معدي تقرير الحريات الدينيه ونقول لهم انكم لو اخذتم الامور بالجديه او بشيء من الموضوعيه وتخلصتم من فكره الابتزاز لاسباب سياسيه للاحظتم ان المشكله الاساسيه في منطقتنا الان هي مشكله التعصب عموما‏,‏ والتعصب الديني خصوصا‏,‏ فهناك تعصب بالفعل لم يكن موجودا منذ ثلاثه عقود بهذه الدرجه وان هذا التعصب هو السبب الرئيسي لانتشار حركات الاسلام السياسي والسلفي‏,‏ وليس سياسه الدوله بل ان الدوله نفسها تعاني من ممارسات هذه الحركات الكثيره التي تتغذي علي الاضطرابات والحروب التي تضعونها في منطقتنا‏,‏ وعدم مواجهه المشكلات والقضايا المزمنه والتي ياتي في مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني المهدره‏.‏

ان معدي هذا التقرير لديهم اجنده خفيه لا علاقه لها بالحريات الدينيه‏,‏ وعندما يتعرضون لمناقشتها يقعون في مرمي سوء القصد‏,‏ وحتي لا نلجا الي التعميم مثلهم فاننا نحدد ذلك في عده نقاط منها مثلا ان التقرير يطالب الدوله بان تتخلي عن مسئوليتها في حمايه المجتمع من انتهاكات قانونيه صريحه ترتكبها جماعه الاخوان المحظوره‏,‏ وفي الوقت نفسه يقع في تناقض عندما يتحدث عن تمييز صارخ ضد الاقباط‏.‏

وهكذا فان التقرير يفضح نفسه ويظهر متلبسا بادعاء ان مصر تقيد بعض الحريات الدينيه‏.‏ ثم يهاجمها لانها ترفض التمييز الذي يعبر عنه الاخوان ضد الاقباط‏.‏

والحقيقه ان التقرير الجديد يمثل استمرارا لمنهج امريكي خطير‏,‏ يمهد لنشر التعصب في المنطقه من خلال دعمها المتواصل للتطرف باسم الاسلام‏,‏ وحدث ذلك في الفتره الاخيره في حروب ما بعد احداث‏11‏ سبتمبر عام‏2001‏ في افغانستان والعراق ثم الفشل في حل القضيه الفلسطينيه‏..‏ وكلها مبررات لصناعه التطرف في منطقتنا وليس للحريات كما تزعم التقارير‏.‏

خلاصه ما نعتقده هو ان عمليه الاصلاح التي تحدث في مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هي اكبر من ان تطالها الايدي التي تعبث في الداخل‏,‏ او تاتي من الخارج‏,‏ ولكن المهم ان نتماسك وان نواصل عملنا بلا تردد او اهتزاز‏,‏ وان نملك قدره المواجهه وشجاعه التحليل لكشف المتربصين بتجربتنا الديمقراطيه وحرياتنا الدينيه ومسيرتنا التنمويه‏,‏ واعتقد اننا قادرون علي ذلك باذن الله‏.‏
posted by مفيش فايدة at 4:08 AM 0 comments

مقال لانيس منصور

صدقني والله العظيم أنا لا أعرف كيف يفكر المصريون‏:‏ كتابا وقراء وحكاما‏.‏ لا أعرف ماذا يقولون ولا لماذا يتخانقون‏.‏ ولا ماهي القضية‏..‏ ماهو الموضوع‏.‏ وبرغم أننا جميعا لا نعرف فإننا كل يوم نبتكر أكذوبة وندعو إليها حتي يصدقها الناس ثم نبحث عن أكذوبة أخري‏,‏ وكأن الأكاذيب طعامنا وشرابنا وبدايتنا ونهايتنا‏..‏ ثم أننا لا نمل‏!‏

قال لي دبلوماسي‏:‏ أريد أن أعرف منك كيف تفهمون بعضكم بعضا‏,‏ أو بعبارة أخري كيف تقرأون ماتكتبون‏!‏ إننا مطالبون بأن نقرأ‏,‏ وأن نفهم‏,‏ وأن نترجم‏,‏ وأن نبعث لصناع القرار في بلادنا ليتخذوا مايرونه مناسبا‏,‏ ويدهشني جدا انهم يتخذون قرارات حاسمة مع أن الذي نبعث به ليس حاسما‏!‏

ماهذا الذي نقوله في كل العواصم العربية عن القضية الفلسطيني‏,‏ كأننا لا ناقشنا ولا حاربنا ولا خدعونا ولا خدعنا أنفسنا‏.‏ اننا نصدق ونكذب كل مايقال لنا‏.‏ ومع ذلك نتحمس للقاء إسرائيل في أي وقت وأي موقع‏,‏ ونحن نعلم من الآن‏:‏ أنه لا حل للقضية‏.‏ لا هم جادون ولا نحن جادون أيضا‏.‏ سواء كان اللقاء في الشرق الأوسط أو في أمريكا‏.‏

ولم يحدث أن أعلنت أي هيئة سياسية محترمة في إسرائيل أو في أمريكا أو أي عاصمة أوروبية أن هناك حلا أو املا في ذلك‏..‏ والسبب‏:‏ ليس هناك أي اتفاق علي أي شيء ذهابا وإيابا‏.‏ فإسرائيل لم تتعهد بأي شيء وأمريكا أيضا‏,‏ والعرب يقرأون ويسمعون‏,‏ ومع ذلك يصدقون أو يتظاهرون بأنهم يصدقون حتي تظهر صورهم علي الشاشات ليؤكدوا لشعوبهم أن البركة قد حصلت فقد صافحوا الرئيس الأمريكي وعانقوا الرئيس الإسرائيلي‏.‏ وبس‏!‏

سؤال اخر‏:‏ هل هناك حل؟

جواب نهائي دون الاستعانة بصديق‏:‏ لا حل‏!‏
posted by مفيش فايدة at 4:05 AM 0 comments

كيف فصل انيس منصور

- علي أيامنا كانت الصحف تخضع للرقابة، وكنا نلعب مع الرقيب لعبة عسكر وحرامية.. وهو يحذف الأخبار التي يري منعها.. ونحن نتحايل عليه بإعادة كتابتها بصيغة أخري وعناوين جديدة، وأحيانًا نفلت من قلمه، وأحيانًا يكتشفها فيمنع نشرها..
ولم يكن قلم الرقيب مقصورًا علي الموضوعات أو الأخبار السياسية، بل كان يتدخل في التحقيقات الصحفية وأخبار الحوادث حتي صفحات الوفيات، فالمتوفي الذي لا يعجبه اسمه كان يحذف نعيه، بحجة أن اسمه مشترك مع اسم الرئيس عبدالناصر، والرئيس لم يكن علي علم بتدخل «الرقيب» في صفحات الوفيات.. وأذكر أن أحد الشخصيات اعترض علي عدم نشر نعي لأحد أقاربه كان ضابطًا كبيرًا في القوات المسلحة، واشتكي للرئاسة، ويومها جاءتنا تعليمات من السيد محمد أحمد، السكرتير الخاص للرئيس عبدالناصر وقتها، وسمح بالنشر.. وأصبحت هذه الموافقة سندًا، استفاد منه جميع الضباط عند نشر نعي أحد منهم..
أقول هذا بمناسبة الحديث عن حرية الصحافة التي ننعم بها الآن.. فهناك فرق كبير بين صحافة تخضع لقلم الرقيب، وصحافة تخضع لضمير الكاتب.
فالذين لم يعيشوا زمن الرقيب، عليهم أن يعلموا أن كتابًا كبارًا تعرضوا للفصل من صحفهم.. وبعضهم منع من الكتابة.. وربما يأتي اليوم الذي يعرف فيه أولادنا الصحفيون الشبان أننا بدأنا حياتنا الصحفية في الظلام، فهم أحسن منا الآن، لأنهم يتمتعون بمناخ الحرية.. فلا رقيب علي أقلامهم.. وليس هناك جهاز يقوم بتحليل ما يكتبونه، كما كانوا يفعلون معنا في عصر عبدالناصر.
- كاتبنا الكبير الأستاذ أنيس منصور تعرض للفصل مرتين أيام عبدالناصر، ويذكر أن المرحوم الكاتب الكبير توفيق الحكيم كانت له رواية عنوانها «السلطان الحائر».. فكتب الأستاذ منصور عن هذه الرواية تحت عنوان «حمار الشيخ عبد السلام» وذكر حكاية العز بن عبد السلام قاضي القضاة والذي كان يضطهد العبيد ويري أنه لا يحق لهم أن يكونوا أحرارًا.. وفي مرة ركب العز حماره ووقف به علي حدود مصر.. فقالوا إن العز يمثل العلماء.. والحمار نيابة عن الشعب المصري.
ويومها قامت القيامة.. لقد تبني جهاز المخابرات تحليل مقال الأستاذ أنيس منصور وفسروه علي طريقتهم وكانت النتيجة فصله من عمله ومنعه من الكتابة.. وسبحان الله أن تختفي هذه الأجهزة.. ويختفي الذين كانوا يديرونها.. ولم يختف قلم أنيس منصور.. لقد بقي القلم.. ومات عبد الناصر.. وحكاية أخري أرويها لهذا الجيل من أبنائي الصحفيين.. كاتبنا الكبير رحمه الله الأستاذ موسي صبري، علم بأنني علي موعد مع السيد زكريا محيي الدين، وكان وقتها وزيرًا للداخلية في السنوات الأولي للثورة.. وكان أقوي شخصية في مصر، فقد كانوا يطلقون عليه الشخصية الحديدية التي تسيطر علي أمن مصر.. وليس من عادة زكريا محيي الدين أن يتحدث لا مع الصحافة ولا الصحفيين.. وربما كنت محظوظًا في بداية عملي الصحفي بالاقتراب منه، ولا أنكر فضل هذاالرجل العظيم في تثبيت أقدامي في الصحافة فقد كان يحتضنني، وكنت الوحيد الذي أدخل بيته من الصحفيين.. ولأن أستاذي موسي صبري يعرفني.. وكان وقتها ممنوعًا من الكتابة علي أثر خلافه مع مجدي حسنين وهو أحد الضباط الأحرار، وأول من أنشأ مديرية التحرير.. فقد ناداني وسلمني رسالة لزكريا محيي الدين.
موسي صبري دخل الانتخابات البرلمانية لأول مرة في الستينيات وكان خصمه في دائرة قصر النيل مجدي حسنين، وتبادل الاثنان الحملات الملتهبة، وانتصر موسي صبري علي خصمه في الدعاية بأن أخرج له بيانًا يشكك في مصاريف مديرية التحرير، اعتبره الضباط الأحرار إساءة لهم فصدر قرار بوقفه عن الكتابة وهو رئيس تحرير صحيفة «الأخبار».. واكتشفت أن الرسالة التي حملتها منه للسيد زكريا محيي الدين هي التماس بعودته للكتابة.
- وجلست مع السيد زكريا محيي الدين وقرأ الرسالة.. ولأول مرة أسمع منه أن موسي صبري اسمه «موسي صبري كامل شنودة» عرفت أن وزير الداخلية يعرف عنه الكثير.
ثم روي لي قصة المطبوعات في مصر.. وقصة الانفلات.. وقال: نحن نرحب بالنقد لكن أن يتطاول أحد علي رجال النظام بالتشكيك في ذمته المالية، هذا هو العيب.
ثم استغرق وقتًا في التفكير، وطلب مني أن أطلب له موسي صبري علي التليفون.. ودار حوار بينهما عاد بعده موسي صبري إلي الكتابة في اليوم التالي.
- وحكاية أخري عن أستاذي موسي صبري رحمه الله.. فهو الذي علمني القيم في مشواري الصحفي وكيف أعتز بقلمي حتي ولو كنت مفلسًا.. فقد فوجئنا بمنعه من الكتابة.. عندما نشر مانشيت علي صدر «الأخبار» عنوانه «يطالبوننا بربط الأحزمة».. في مقال له يعلن انهيار اقتصادنا بسبب تدخلنا في حرب اليمن حيث كانت أكياس الذهب توزع وقتها علي بعض القيادات المصرية.. والحكومة تدعو الشعب إلي ربط الأحزمة.
- في يوم نشر المقال يتصادف أن الرئيس جمال عبد الناصر عقد مؤتمرًا صحفيا وقد سأله سليم اللوزي وكان وقتها رئيسًا لتحرير «الحوادث اللبنانية» عن حرية الصحافة في مصر، فرد عليه الرئيس قائلاً.. هل هناك حرية أكثر من الحرية التي يتمتع بها كاتب كبير مثل موسي صبري وقد تهجم اليوم علي قواتنا وهي تحارب في اليمن.
- وفي الليلة نفسها وبعد المؤتمر الصحفي صدرت الأوامر للأستاذ موسي صبري بأن يبقي في بيته ويخلي مكتبه في أخبار اليوم، وبعد فترة نقلوه محررًا في صحيفة الجمهورية وطلبوا منه أن يكتب عن المرأة ولا يكتب في السياسة.
- هذا التاريخ أرويه للصحفيين الشبان لكي يعرفوا أنهم يعيشون عصرًا لم تشهده الصحافة من قبل.. فهي تعيش الآن أزهي عصورها في عصر مبارك.
لذلك أقول لهم.. كونوا أمناء علي الكلمة، لا تستخدموا أقلامكم كسلاح في الإساءة أو التشهير، اجعلوا نقدكم نقدًا بناء وليس هدامًا، اكشفوا عن بؤر الفساد ولا تخفوها، لا تسلموا أنفسكم لرجال المال والأعمال، حتي لا تكونوا مثل قلة من الذين سبقوكم فتحولوا إلي مستشارين معهم وباعوا لهم أقلامهم.. إن الصحافة تريدكم الآن فرسانًا للكلمة الشريفة فلا تخذلونها.. ضعوا مصر فوق رؤوسكم واعلموا أن حاكمها يساند الرأي ولا يقصف الأقلام وإن كان قد بقي موضوع واحد في ملفه الصحفي.. هو أن يحقق مبارك وعده الرئاسي بإلغاء حبس الصحفيين حتي تظل الصحافة في عهده حرة بلا رقيب أو سجان.

posted by مفيش فايدة at 3:24 AM 0 comments

هل صدق الرئيس وعده؟

لا أعرف من هو العبقري والشخصية القانونية الفذة، التي صاغت البيان الذي صدر عن الأمانة العامة للحزب الوطني في اجتماعها أمس الأول، حول حرية الرأي والتعبير في مصر، والذي انتهي في الفقرة الأخيرة منه إلي طرح السؤال التالي:

هل تم الوفاء بالوعد الذي قطعه الرئيس حسني مبارك علي نفسه بإلغاء عقوبة الحبس في جرائم ترتكب عن طريق النشر؟

ويجيب هذا العبقري ـ الذي أيدته الأمانة العامة للحزب بالإجماع ـ عن السؤال بالآتي:

«يتبين ـ من كل ما تقدم ـ أن رئيس الجمهورية قد أوفي بالعهد وصدق الوعد فيما يتعلق بإلغاء عقوبة الحبس في الجرائم التي ترتكب عن طريق النشر.. بالقدر الذي لا يخل باستقرار المجتمع ويحافظ علي مؤسساته.. ذلك أن حرية التعبير ليست مطلقة، بل هي حرية تلتزم القيود الموضوعية ومبادئ المجتمع وقيمه وليست معول هدم لقواعد استقراره ودعائم بنيانه».

وكل ما تقدم في البيان علي هذه الفقرة هو عملية نصب وتدليس، ولصق فقرات إلي جانب بعضها، واستخدام أسماء بعض المواد في القوانين والدستور التي يريد من خلالها أن يخلص إلي هذا الرأي الجائر.. الذي ذهب إلي أن حرية الرأي والتعبير مصونة، وأنه لم يتم الاعتداء عليها، وأن حبس خمسة من رؤساء التحرير تم في الحدود التي تسمح بها حرية الرأي والتعبير.

وهكذا أوجد هذا العبقري الفذ، وأوجدت الأمانة العامة للحزب الوطني ورجالها الأبرار والوطنيون، وفي المقدمة منهم المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني المخرج القانوني للوعد الرئاسي بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، الذي أعلنه منذ سنتين صفوت الشريف في نقابة الصحفيين علي لسان الرئيس مبارك.

فالرئيس قد أوفي بالعهد والرئيس قد صدق الوعد، وكل واحد بعد كده، يضع لسانه في فمه، ولا يفتحه، والذي سيفتحه في الحدود التي لا تلتزم القيود الموضوعية ومبادئ المجتمع وقيمه، سيتهم بارتكاب جريمة هدم قواعد المجتمع واستقراره ودعائم بنيانه.

صدقوني.. هذا البيان، يصادر حرية الرأي والتعبير في مصر، ويعود بنا إلي الوراء إلي عهود كبت الرأي ومصادرة الحريات، لأن الحرية المتاحة سيكون مسموحا بها علي القدر الذي يسمح به والذي يفهمه السيد أحمد عز وقيادات ورموز الحزب الوطني الأبرار.

ياه.. يريدون منا ومن كل الأحرار في هذا الوطن، أن نحارب معركة حرية الصحافة والرأي والتعبير، والتي هي حق لكل مواطن من أول وجديد، وأن نعود بها إلي المربع رقم واحد، وهذا لن يكون حتي ولو ذهب نصف الصحفيين إلي السجون، فهذا أشرف لهم من أن يسكتوا علي بيان جائر وظالم، كتبه شخص بلا ضمير.
posted by مفيش فايدة at 3:18 AM 0 comments

خالد صلاح

في الإسكندرية عصر الخميس الماضي حاول بعض رؤساء تحرير الصحف القومية غسل أيديهم وأقدامهم وأبدانهم مما اقترفوه في حق رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف، أكلوا علي طاولته، وأنصتوا لكلماته، ولم يقاطع أحد موجز إنجازاته الذي تلاه عليهم بثقة وإتقان، هؤلاء الذين استكانوا في حضرة نظيف كانوا يذبحونه في صحفهم جهرا حين التقطوا إشارات مضللة من أربابهم في السلطة بأن لحظة الإطاحة حانت، وأن الإقالة قادمة لا محالة، ثم بدلوا جلودهم بمذلة ومهانة وهرولوا بلهفة للعودة اللاهثة إلي حظيرته صفا صفا بعد أن نهشوه بغلظة وقسوة فرادي وجماعات .



كان اللقاء غنيمة للاعتذار عن التنبؤات بنهاية عهده، والتحليلات التي أجهزت علي إنجاز حكومته، والأصوات الصاخبة المطالبة بتغييره بشجاعة المنافقين الذين لا يهاجمون إلا الراحلين عن المناصب، ولا تسول لهم أنفسهم أبدا الاقتراب من الراسخين في الحكم والمقاعد، بعض الذين ابتسموا في خزي في وجه رئيس الوزراء كانوا استعدوا لوداعه ورتبوا أنفسهم لاستقبال رئيس الوزراء الجديد، بعضهم اعتبر بقاء نظيف خطرا علي الإصلاح، وإجهاضا لمسيرة التنمية في عصر مبارك،



وبعضهم طالب «بكسر القلة» لحظة رحيله،رهط من أهل اجتماع الاسكندرية كانوا قد استرقوا السمع من القصر الرئاسي مستطلعين نذر الغضب علي نظيف وأعمتهم بصائرهم الزائغة وعقولهم مهيضة الجناح عن التفسير الدقيق والتحليل الصائب لبقاء الحكومة من رحيلها، فكيف لجهلهم وأهوائهم أن تدرك علم الرئيس أو تحيط بحكمته في اختيار رجاله؟ رهط منهم اتبعوا أهواءهم وأطاعوا أولي الأمر وأولي الأموال في دائرة الحكم من الغاضبين علي رئيس الوزراء،



ولم تتوقف حملات المنافقين الشجعان إلا بأوامر الرئيس ونواهيه علي الطائرة الرئاسية في رحلة العودة من فرنسا، الرئيس أدرك أن الأحاديث المتواترة عن فخامته قد دخلت عليها حزمة من «الإسرائيليات السياسية» فقرر أن يضع حدا لجهل هؤلاء الذين ظنوا أنهم يتقربون إليه بذبح رئيس الوزراء، أو أنهم يجيدون نقد سياسات لا يرضي عنها فخامته أو لا يرضي عنها من يحددون السياسات لفخامته.



ومن باريس إلي القاهرة تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في بقاء الحكومة، حسم الرئيس موقفه بجدية، قسي علي بعضهم قسوة اعتادت عليها بخشوع جلودهم السميكة، وبعد العودة تبدلت المواقف، أصبح نظيف هو الأمل بعد أن كان المنافقون الشجعان يعتبرون الأمل في تغييره، و صار نظيف هو علامة الجودة في الإنجازات بعد أن كان رسل الجهل بلغة الإشارات الرئاسية يجعلون منه عدوا للإصلاح و مثالا للإخفاق،



تبدلت القلوب والضمائر، وهرولت الأيدي والأبدان نحو موسم الغسيل من الخطيئة، ولتكن لعنة السماء علي مصادر الأخبار في الدائرة العليا التي غضبت علي نظيف فقررت أن يغضب عليه أزلامها وأذنابها، ولتكن اللعنة أيضا علي أصحاب الإشارات المضللة وأولي الأموال والأهواء الذين كسروا رؤوسهم خنوعا من باريس إلي القاهرة.



كيف نظروا في عينيك يا دكتور نظيف ؟ كيف صافحوك وهم يرسمون علي وجوههم ابتسامة عريضة يسترضون بها قلبك ويحنون رؤوسهم بخزي معتذرين لأنهم طاولوا مقامك وأنت تعلم أنه لا مصلحة مصر، ولا مصلحة الناس، ولا مصلحة خطط التنمية كانت نصب أعينهم حين ذبحوك في صحفهم الممولة من الحزب الذي تنتمي إليه أو من الحكومة التي تترأسها، يا دكتور أنت تعرف الآن ما الذي سيقولونه عنك بعد رحيلك، وتعرف ماذا يكتبون ولمصلحة من يصدرون الصحف ويحررون المقالات، فاحترس منهم خلال عصر رسوخك في منصبك الرفيع، قل لهم إن البحر يغسل أيديهم لكنه لا يطهر القلوب والنوايا والضمائر والأقلام.
posted by مفيش فايدة at 3:12 AM 0 comments

مقال لمهنا

ما دلالة اجتماع الرئيس حسني مبارك.. بحكومة الدكتور أحمد نظيف في قصر رأس التين بالإسكندرية أمس الأول، وتكليفها بمراقبة الأسعار وتوفيرها في الأسواق.. والتشديد علي مراعاة عدم زيادتها لكي لا تلتهم العلاوة الاجتماعية الجديدة.. وبالمرة حل مشاكل الجماهير والنزول إليهم في الشارع.



والأسعار زادت بالفعل زيادات كبيرة في الأسابيع القليلة الماضية والتهمت العلاوة الاجتماعية وزادت عليها.. قبل أن يصدر الرئيس مبارك تعليماته وتوجيهاته؟



هل يفهم لقاء الرئيس بالحكومة.. علي أنه تكليف جديد لها.. بالاستمرار في العمل.. ونفي لأي شائعات أو تكهنات تتحدث عن قرب تعديل وزاري؟



فالرئيس مبارك استدعي الوزراء وكبيرهم من المصايف في شتي المدن الساحلية من مارينا والغردقة والخارج، ومن غير المتصور أن ينتهي اللقاء ويخرج الوزراء منه إلي المصايف مرة أخري.. وإلا تحولت إلي نكتة ومادة لاذعة لرسامي الكاريكاتير.



الوزراء خرجوا من لقاء الرئيس.. إلي مكاتبهم وأعمالهم في القاهرة.. لمتابعة التكليفات الصادرة لهم.



والبعض استبعد هذا الاستنتاج.. وهو أن الرئيس يجدد الثقة والبيعة لحكومة نظيف.. بل لعله تحذير لها، فالتقارير التي تصل رئيس الجمهورية من مختلف الأجهزة تتحدث عن تذمر وغضب شعبي واسعين.. لتجاهل الوزراء حل مشكلات الجماهير.. والإدلاء بتصريحات مستفزة لهم.. وسفر الوزراء إلي المصايف.. وهو الأمر الذي دعا الرئيس مبارك إلي عقد هذا الاجتماع المفاجئ، دون أن يعني ذلك تجديد الثقة أو إعادة تكليف لحكومة نظيف بالاستمرار.



إن الرئيس مبارك إذا أراد إجراء تعديل وزاري مفاجئ.. لن يمنعه أحد ولن يمنعه شيء من القيام به.. حتي ولو اجتمع بالوزارة قبل يوم واحد علي صدور قرار إقالتها.



ولأننا لا نعرف شيئاً.. ولأننا نتحدث فيما لا يعنينا.. فالرئيس يجتمع بالحكومة أو لا يجتمع.. والرئيس يصدر قرار إقالتها أو يبقي عليها.. كلها أشياء لا تعني شيئاً بالنسبة للمواطن المصري.. لأن هذا المواطن لم يختر هذه الحكومة.. ولم يستطلع أحد رأيه.. ولن يكون له رأي في أي حكومة قادمة.. فلماذا يشغل باله ببقاء الحكومة أو رحيلها؟ والذي يعرفه هذا المواطن أن مثل هذه الاجتماعات واللقاءات عقدت مئات المرات..



وصدرت عنها آلاف التكليفات.. كان من نتيجتها الحال الذي أصبح عليه هذا المواطن اليوم.. وحكومات ترحل وأخري تشكل.. والأزمات تحاصر هذا المواطن وتضربه بقوة.. والرئيس مبارك يصدر تعليماته.. وفي كل مرة كأنها تصدر لأول مرة، ومراجعة أرشيف الصحف القومية يكشف أنها نسخة طبق الأصل.



وأهلاً بحكومة نظيف، وبأي حكومة أخري.. لأن الأمر لا يعنينا في شيء.. إنه بين الرئيس وبين الحكومة.. والشعب هو الطرف الغائب في هذه المعادلة.. مع أنه هو صاحب الحق الأصيل في حكم مصر والاستمتاع بخيراتها.
posted by مفيش فايدة at 3:09 AM 0 comments